غزة كبش فداء لصراعات النفط والغاز…
} وفاء بهاني
الحديث عن تهجير أبناء غزة عن القطاع لم يكن وليد عملية «طوفان الأقصى» العظيمة التي ضربت أسس الكيان المؤقت عرض الحائط أمام مرأى ومسمع العالم أجمع، وبيّنت هشاشة تلك الدولة المزعومة، ومصداقية مقولة انّ الكيان الصهيوني ليس إلا «مجموعة عصابات» وليست دولة، فخلف الستار تحاك الكثير من المخططات التي تنصبّ أعينها على نفط وغاز غزة الذي قدّرته إحصائيات أجنبية، ونتيجة تقديرات خبراء الطاقة والاقتصاد، بما يفوق 524 مليار دولار أميركي.
هذه الثروة الطاقوية التي يختزنها بحر غزة وأرضها قادر على تغيير الأوضاع وقلب كفة الميزان لصالح أهالي غزة، لما يمكن أن تحدثه من تنمية اجتماعية واقتصادية، وهو السبب الكامن وراء رغبة هذا الكيان في تهجير أبناء غزة بصورة نهائية، لأنّ إنجاز مشروع الممر الاقتصادي الذي أقرّته الولايات المتحدة وعدد من الدول المشاركة في الاجتماع الأخير في مجموعة العشرين G20في نيودلهي، وهو مشروع ضخم يربط الهند بالشرق الأوسط فأوروبا، وهو الردّ العملي على مشروع الحزام والطريق الصيني. ومن أهمّ ما يدل على نوايا الولايات المتحدة في القيام بهذا الأمر هو دخولها للعراق في عام 2003 وسيطرتها على كافة مصادر الطاقة وأهمّ الممرات.
ولتسليط الضوء بصورة أكبر على هذه الأحداث من كافة النواحي، وتوضيح رغبة الولايات المتحدة في إفشال وإعاقة أي نوع من العلاقات الاقتصادية بين الدول الكبرى وبين الدول العربية، يتضح ذلك من الخطط التي بادرت لإقامة علاقات اقتصادية من دول غير أميركا في قطاع النفط في منطقة الشرق الأوسط.
من الأمور الواضحة وضوح الشمس للجميع أنّ «طوفان الأقصى» لم يكن السبب في هذه الحرب العدوانية الغاشمة، ومحاولة الإبادة الجماعية التي يقوم بها الكيان المحتلّ، وتدعمه وتسانده أميركا في ذلك، بل الأمر نتيجة لصراعات اقتصادية بين أقطاب الدول الكبرى التي تتصارع على النفوذ في المناطق الحيوية، والرغبة في تمرير قناة «بن غوريون» في قلب غزة استلزم ذلك إزاحة الغزاويين عن أرضهم، لتمرير القناة عبرها.
وكلّ ما سبق يستوجب إحداث تخريب في القطاع، والحصول على تفويض من دول وكيانات عالمية بأنّ هذا القطاع لا يصلح للحياة الآدمية، وهي النقطة الفاصلة التي ترغب بها بريطانيا والولايات المتحدة والكيان الصهيوني، فالثروة الطاقوية في القطاع، وقبالة سواحله، ومشروع «قناة بن غوريون» جعلت الدول الطامعة تسعى مسرعة لتصفية القطاع للحصول والسيطرة على الكعكة الكبرى التي يمثلها القطاع وبحره.
هذه الحرب أتاحت للولايات أن تقوم بالكثير من الخطوات التي عرقلت تطوّر علاقات روسيا مع أوروبا وفرض العقوبات على الأولى، وضرب وتخريب خطوط الغاز التي تربط روسيا بأوروبا، وهو ما ساهم في ضعف هذه العلاقات وتقليل كمية الغاز التي يتمّ تصديرها والتي انخفضت من 136 مليار متر مكعب في العام 2022 إلى 17 مليار متر مكعب، والعائد على الولايات المتحدة من هذا التخطيط أنها أصبحت الجهة الأولى التي تصدّر عبر شركاتها الأميركية الغاز المُسال إلى أوروبا، وبتكلفة أكثر على أوروبا، واضطرار الدول الأوروبية القبول بذلك كي تتمكن من تعويض النقص الذي تعاني منه.
ولم تكن روسيا هي الوحيدة التي لحقها الأذى في هذه الصراعات الخفية، بل الصين أيضاً لحقها أذى الولايات المتحدة الأميركية، حيث محاولتها لإقامة مشروع الحزام والطريق جعلها في دائرة التصويب الأميركي التي تضع مصلحتها فوق مصلحة الجميع، حيث أنّ محاولة الصين لربطها بدول أوروبا حاولت الولايات المتحدة إعاقتها عبر مشروع الطريق الهندي.
والطريق الهندي يتطلب تطبيع الكثير من الدول العربية مع الكيان الصهيوني، بالإضافة إلى تخلي مصر عن سيادتها على جزيرتي تيران وصنافير على الرغم من كونهما أقرب إليها من المملكة السعودية، ولكن هذا التخلي من قبل مصر جعل هذا الممر لا سيادة دولية عليه من أيّ دولة.
وهنا يأتي سبب الرغبة الدائمة من الكيان ومن الولايات المتحدة في تهجير سكان غزة، لأنّ تلك القناة المتعرّجة التي لا تمرّ بالقطاع والتي تعدّ جزءاً من الطريق الهندي هي صعبة التنفيذ وذلك يرجع لأمرين… الأول: صعوبة تضاريس السطح، والثاني: تكلفته المالية الكبيرة، وذلك بجعل فكرة تهجير سكان غزة من أجل إقامة قناة مستقيمة من القطاع هدف يسعى إليه الكيان بدعم من الولايات المتحدة وهو سبب دعمها في هذه الإبادة البشرية.
لذلك لم يقف هذه العدو الصهيوني ولم يكف في ظلّ هذه الانقسامات العربية، وتطبيع العديد من الدول، وانصياع بعض الدول مثل مصر لتوجيهات الولايات المتحدة يجعل المجازر التي تحدث في القطاع، وحلّ التهجير هو حلّ أساسي بالنسبة للكيان والولايات المتحدة الأميركية، وبذلك يجعل أملنا جميعنا في الرجال الذين صدقوا مع الله ألا وهم المقاومون، من أجل وقف هذه النكبة الكبرى ووضع حدّ لها…