تبادل الأدوار…
} رنا العفيف
قرّر الاحتلال الإسرائيلي إنهاء الهدنة، ليبدأ قصفه البربري المتوحش على غزة، حتى أوْدى بمئات الجرحى والشهداء، وبضوء أخضر أميركي، السؤال الذي يطرح نفسه بنفسه هنا لماذا عادت «إسرائيل» إلى الحرب ومن الذي أعطى الضوء الأخضر لها؟
في ظلّ الهدنة الإنسانية عادت «إسرائيل» إلى الحرب بعد أن كانت أمام خيارين لا ثالث لهما، الأول تمديد الهدنة والثاني المضيّ في تبادل الأسرى والاستمرار في القصف والقتل والتهجير والتدمير في غزة، علها تحقق شيئاً ما من النصر حيال إخراج الأسرى بالتفاوض، إلا أنّ المؤكد يقول إنها لم تحقق أياً من الأهداف، فوجد الاحتلال في وقف الحرب هزيمة واضحة في عمليات التبادل، بينما المقاومة الفلسطينية حققت إنجازات عظيمة بأعلى الدرجات وعلى المستوى الإنساني في التعامل مع الأسرى من قبل حركة حماس وفصائل أخرى، أيضاً هي الأخرى عادت إلى الحرب بقوة حاضرة وجاهزة بتسديد الضربات بالقوة، ومن ثم تحركت على الفور جبهات الإسناد في لبنان والعراق واليمن لنصرة غزة وسط العودة الإسرائيلية إلى الحرب وبانكشاف واضح في تبادل الأدوار بينها وبين الولايات المتحدة التي أعطت الضوء الأخضر باستئناف القتل المتعمّد، الذي يوحي بأنّ «إسرائيل» لم تكن جاهزة لإجراء صفقة تبادل شاملة للأسرى تفضي إلى تصفير السجون الإسرائيلية من الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين،
طبعاً هذا لا يروق لـ «إسرائيل» وهو غير مريح أيضاً للولايات المتحدة الأميركية التي رأت عدة انتصارات لحركة حماس عدا عن تحقيق العديد من الإنجازات، الأمر الذي امتعضت منه واشنطن، وكان هناك تصريح من الخارجية الأميركية بإدانة حماس، الأمر الذي أوْدى بإعطاء واشنطن الضوء الأخضر لـ «إسرائيل» لمواصلة عدوانها على غزة بتكثيف الضربات، وقالت لـ «إسرائيل» بأن ترأف قليلاً بالمدنيين الفلسطينيين، استناداً لما أدلى به انتوني بلينكن على أنّ «إسرائيل» تملك تكنولوجيا ومعدات أخرى لوجستية، وهذا الكلام له أبعاد خطيرة تتمحور حول تزويد واشنطن «إسرائيل» بالسلاح لترويع وقتل الأبرياء الفلسطينيين، وهي بالمجمل كانت بحاجة للمدّ العسكري والمعنوي تلبيةَ للانتقام الأميركي والثأر الإسرائيلي على قطاع غزة وقتل المزيد من الأطفال والنساء والشيوخ والخدج!
ورأينا ذلك الدعم منذ اليوم الأول من معركة طوفان الأقصى، ولم يعد خافياً على أحد بأنّ أميركا هي شريك استراتيجي لـ «إسرائيل» في إدارة المعركة السياسية والعسكرية ضدّ الشعب الفلسطيني، وبالتالي من يعتقد أنّ تل أبيب عادت للقصف والقتل والتدمير المباشر فور انتهاء الهدنة من دون ضوء أخضر أميركي فهو ساذج، لأنّ واشنطن كانت تقول إنها تحث الإسرائيليين على إنهاء الحرب وتجنّب قتل المدنيين، فيما هي كانت الراعي الأول لكلّ الخطوات الإسرائيلية سواء عسكرياً أو مالياً وحتى إعلامياً بغطاء دولي واسع وبالعلن أمام مرأى العالم بكلّ وقاحة.
إذن… هناك قرار مبيّت، ووقائع بالصوت والصورة في الميدان تؤكد الضوء الأخضر الأميركي للعدو الإسرائيلي لاستئناف العدوان والقتل والإجرام، واللافت هو الحديث العام الدولي في سياق هذه المعركة عن (الهدنة الإنسانية) وليست هدنة عسكرية أو هدنة حرب، انطلاقاً من هذا تمّ استئناف القتال بشكل عنيف همجي لا يمتّ للإنسانية بصلة، بقدر ما هو وحشي يمثل السياسة العنصرية المتطرفة لدى «إسرائيل» والولايات المتحدة الأميركية، وفي نهاية المطاف كلّ هذه الضغوط هي من أجل ثني قدرات المقاومة وشلّ حركتها وليّ ذراعها باستهداف أكبر عدد ممكن من المدنيين للضغط على محور المقاومة، أيضاً في السياق عينه نجد بأنّ واشنطن سمّت هذه الهدنة بهدن تكتيكية إنسانية، ولكن يبدو أنّ صيغة المفهوم الإنساني في التكتيك الاستراتيجي الأميركي هو العنف والقتل وارتكاب المجازر والاستمرار في عربدتها، ولكن قد نجد هناك اليد الطولى لردع التمادي الغربي وعلى رأسها الولايات المتحدة التي لم تحسب أيّ حساب للخطوات التالية للمقاومة في المنطقة، ولم تقم بإعادة جرد الحسابات لأنها جميعها خاطئة وسيكلفها أثماناً باهظة…