«إسرائيل» أمام نكبة وجودية…
} أحمد بهجة*
قد يكون من المبكر الحديث عن الخسائر الاقتصادية في كيان العدو الإسرائيلي نتيجة العدوان الإجرامي الذي يشنّه هذا العدو على قطاع غزة، وهو عدوان لا يستثني الضفة الغربية ولبنان.
فالحرب لا تزال مستمرة، وقد سقطت الهدنة يوم الجمعة الفائت، وهو ما كان متوقعاً لأنّ العدو لا يريد الخروج صفر اليدين بعدما تأكدت خسارته للحرب في جولتها الأولى، ولم يحقق أيّ هدف عسكري أو سياسي، رغم الإجرام والوحشية والمجازر التي نفذها بحق أهلنا في غزة على مدى نحو خمسين يوماً.
اليوم، بعد استئناف العدو عمليات القتل والإجرام، يجد نفسه من جديد تائهاً في دوامة أو متاهة لا أفق لها، وفي هذا السياق هناك عنوان أساسي يمكن أن يتصدّر الصفحات الأولى لوسائل الإعلام هو: «إسرائيل في مأزق… لا تستطيع ربح الحرب ولا تعرف كيف تخسرها»!
والأمر في الحقيقة أكبر من مأزق، لأنّ عملية طوفان الأقصى جعلت «إسرائيل» أمام نكبة وجودية فعلية بكلّ معنى الكلمة، على كلّ المستويات العسكرية والأمنية والسياسية والاقتصادية والإعلامية… وقد اهتزّ كيانها من أساساته، إذ أنّ العملية حصلت للمرة الأولى في الأراضي المحتلة عام 1948، كما أنّ المستوطنات الواقعة في غلاف غزة أو الواقعة قرب لبنان لا تزال فارغة من مستوطنيها الذين غادروها ولن يعودوا إليها إلا إذا ربحت «إسرائيل» الحرب، وهذا ما يبدو مستحيلاً، وهذه المستوطنات أيضاً تقع في الأراضي المحتلة عام 1948، وهذا له تأثير كبير على الاقتصاد، لأنّ هؤلاء المستوطنين لا يقلّ عددهم عن 300 ألف نسمة، وهم يعملون في مشاريع مختلفة ومتنوعة بين الزراعة والصناعة والسياحة والخدمات والتكنولوجيا المتطورة… وكلّ هذه الأعمال متوقفة اليوم، وسوف تستمرّ متوقفة ومعطلة إلى أجل غير محدّد.
والاقتصاد ليس أرقاماً فقط، بل هو ثقة قائمة على أسس متينة لا تتزعزع، وأين هي الثقة اليوم بالاقتصاد الإسرائيلي؟ لقد أصبحت هذه الثقة تحت سابع أرض، ولن تنفع معها العلاجات التقليدية ولا الدعم المالي الأميركي والأوروبي الذي سيأتي بالتأكيد لكنه لن يعيد الثقة بالاقتصاد، ولن يدفع المستثمرين إلى المغامرة برؤوس أموالهم لإقامة مشاريع في الكيان المهدّد بأن تتكرّر معه قصة 7 تشرين الأول من محاور كثيرة لا سيما من عندنا في جنوب لبنان، خاصة أننا حين رأينا مشاهد وصور وفيديوات عملية «طوفان الأقصى» تذكّرنا فوراً أننا رأينا بأمّ العين وبشكل مباشر شيئاً مماثلاً تماماً في المناورة التي أقامها حزب الله في معسكر عرمتا في شهر أيار الماضي.
والإنجاز الكبير الذي تحقق في عملية طوفان الأقصى لم يؤثر فقط على الاقتصاد الإسرائيلي بل أيضاً لحقت آثاره الاقتصاد الأميركي ومعه اقتصادات عدد غير قليل من الدول الأوروبية، والاقتصاد الأميركي تحديداً هو اقتصاد مأزوم قبل «طوفان الأقصى»، ونعلم جميعاً حجم المعارك التي تخوضها الإدارة الأميركية في الكونغرس للحصول على إذن برفع سقف الاستدانة، بعدما وصلت هذه الاستدانة إلى حدودها القصوى، وحتى أنها تجاوزت هذه الحدود، نتيجة أمور عديدة أبرزها الأكلاف العالية التي تتكبّدها الولايات المتحدة في حرب أوكرانيا ومعها حلفاؤها الأوروبيون أيضاً… وقبل الدعم الكبير الذي توفره لأوكرانيا، كانت الولايات المتحدة تعاني من جراء الجمود الاقتصادي الذي تسبّبت به جائحة كورونا واضطرار الإدارة الأميركية لتقديم مساعدات مادية مباشرة للمواطنين الذين التزموا منازلهم لفترات طويلة… وهذا ربما يجعل قدرة الولايات المتحدة محدودة أيضاً في تقديم المساعدات المطلوبة للكيان الصهيوني… قد تساعده اليوم في فترة الحرب لكنها لن تستطيع مساعدته طويلاً…
وسوف يأتي يوم ليس بعيداً يجد فيه الكيان الصهيوني أنّ مستوطنيه يغادرونه ويعودون بالجملة إلى البلدان التي أتوا منها، لأنّ ما وُعدوا به من أمن وأمان واستقرار ورخاء تبخر نهائياً وإلى غير رجعة طالما أنّ جيش الكيان عاجز أمام أبطال المقاومة الذين يتعملقون في المواجهات الدائرة في كلّ أنحاء غزة وفي جنوب لبنان وبإسناد واضح ومؤثر من قوى ودول المقاومة في المنطقة كلها…
*خبير مالي واقتصادي