أولى

النجاحات الاستراتيجية للهدنة السباعية…

‭}‬ د. جمال زهران*

توقفت الهدنة بين المقاومة الفلسطينية بشمول فصائلها وفي المقدمة حماس والجهاد، وبين الكيان الصهيوني، عبر وسطاء ثلاث (أميركا – قطر – مصر)، عند اليوم السابع، فأصبحت «الهدنة السباعية» – طبقاً لتسميتي وتقديري. والسؤال هنا: هل حققت هذه الهدنة السباعيّة، نجاحات محدّدة لكلّ من الطرفين؟ وباختصار وتركيز، فإنّ هذه الهدنة وإنْ كانت هي شيئاً ضرورياً بين الأطراف والمتصارعة، لالتقاط الأنفاس وإعادة ترتيب الأوضاع، وتبادل الأسرى، وقد تكون مؤقتة وموقوتة، لتستمرّ الحرب مرة أخرى، أو قد تكون مقدّمة لتسوية شاملة أو مؤقتة. وهناك نماذج تطبيقيّة على ذلك في أنحاء العالم، دون استطراد. وما تحقق فقط للكيان الصهيوني هو: فكّ أسر مجموعة من الأسرى (80 شخصاً)، مع الإعلان الكامل بالهزيمة العسكرية والسياسية والإعلامية والاجتماعية، أيّ الهزيمة الشاملة، حيث أحدثت عملية المقاومة في السابع من أكتوبر، زلزالاً في داخل الكيان، لن يشفى منه الكيان الصهيوني نهائياً، حتى إعلان الانهيار الكامل، وهو حادث حتميّ، وقريباً.
أما النتائج الضخمة والواضحة التي تحققت لجانب المقاومة الفلسطينية الشجاعة، فإنه يمكن بلورتها في ما يلي:
1 ـ الإفراج عن أسرى فلسطينيين في السجون الصهيونية، من النساء والأطفال في ضوء اتفاقية الهدنة (1 صهيوني مقابل 3 فلسطينيين)، وقد وصل عدد المفرج عنهم نحو (240) أسيراً فلسطينياً. ولعلّ فلسفة الإفراج عن الأطفال والنساء، لهي تأكيد على التنكيل الصهيوني بهذين النوعين في سجونه، ولهو كاشف لحجم الجرم الذي ارتكبته قوات جيش الاحتلال الصهيوني، عندما اعتدى على غزة، وقتل أكثر من (6000) ستة آلاف طفل، و(4000) أربعة آلاف سيدة، بما يعادل نحو 70% من حجم الشهداء على الجانب الفلسطينيّ من المدنيين، الذي تجاوز عدد الـ (15) خمسة عشر ألف شهيد!! ولا شك في أنّ في ذلك مكسباً ذا وجهين، الأول هو: الإفراج عن سجناء ومعتقلين أبطال من أبناء فلسطين، والثاني هو: تعرية العدو الصهيونيّ أمام العالم، وأمام كلّ وسائل الإعلام، بالطبيعة العدوانيّة لهذا العدو المحتلّ ضدّ الفلسطينيين.
2 ـ الاستمرار في الإمساك بزمام المبادرة في الهجوم على الكيان الصهيونيّ، ومواجهة عدوانه على غزة والضفة وجنوب لبنان، وذلك بالتنسيق عالي المستوى بين الساحات، وعلى مستوى القيادات العليا، وهو ما ترجم في اللقاءات الكثيفة التي عُقدت في حضرة سيد المقاومة السيد حسن نصر الله. حيث أكد قادة المقاومة في أحاديث متفرّقة، أنهم في أعلى درجات الجهوزية ضدّ العدو الصهيوني المحتمل، في حال عدول العدو عن الهدنة، أو مواصلة عدوانه على غزة خصوصاً. وهذا مكسب استراتيجيّ، يؤكد أنّ عملية السابع من أكتوبر، كانت نابعة من قرار مستقل للمقاومة بقيادة حماس والجهاد.
3 ـ التلاعب في الميدان، بالكيان الصهيونيّ، حيث قامت المقاومة، بتسليم بعض الأسرى الصهاينة، من مكان في قلب شمال غزة (مدينة غزة)، وذلك للصليب الأحمر الدولي، لنقلهم إلى الحدود المصريّة عند رفح، ثم إلى الكيان الصهيونيّ. وبهذا استطاعت المقاومة تقويض ادّعاءات الكيان، بأنه يسيطر على شمال غزة، وأنه أجبر الفلسطينيين على الرحيل من الشمال إلى الجنوب، وهو ما ثبت كذبه، وأثبتت المقاومة هي الموجودة مع السكان في شمال غزة. ومن ثم فإنّ إعلام العدو إعلام فاشل وكاذب. وفي المقابل هناك إعلام للمقاومة صادق، قولاً وفعلاً، وهو ما يُصيب في تحقيق نجاح استراتيجي للمقاومة في مواجهة الكيان الصهيوني المخادع والكاذب، والذي أراد أن يدّعي كذباً بالانتصار عن طريق الإعلام المضلل.
4 ـ التلاعب بالرأي العام الصهيونيّ داخل الكيان عن طريق إظهار المودة مع الأسرى الصهاينة، عند تسليمهم، وهم في صحة جيدة وباعترافهم وقد تمّت معاملتهم إنسانيّاً بمنتهى الرحمة دون أيّ إيذاء، كما يفعل الصهاينة مع الأسرى الفلسطينيّين من تعذيب وإهانات، وصلت قطع الأصابع والحرق في الوجوه، والإتيان معهم بالأفعال المشينة لكسر رجولة الرجال، وتحطيم معنويات النساء وإذلالهنّ والعدوان الجنسيّ عليهن، وبأفعال مخالفة للقوانين الدولية!
وقد أظهرت المقاومة عند الإفراج عن السيدات والفتيات الأسرى، أن كانت سيدات مقاومات تولين الإشراف عليهن وتسليمهن، وشاهدنا للمرة الأولى وجود فدائيّات مقاومات داخل صفوف المقاومة، للمرة الأولى أمام الرأي العام. كما لاحظنا الإفراج عن طفلة مع والدتها من الأسرى، وهي تحمل كلبها الصغير الأبيض، وهي إشارة لإنسانيّة المقاومة، والتزامها بالقيم الدينية الإسلامية الأصيلة. كما تردّد أن أسيرة تعلقت بأحد المقاومين وأحبّته من فرط حسن المعاملة معهم وحمايتهم دون تعرّضهم لأيّ أذى، فضلاً عن ظهور إحدى السيدات ومعها ابنتها الأسيرة وهي تتلو القرآن، وقد حفظت سورة «النصر». ولا شك في أنّ كلّ هذه الإشارات تصبّ في النجاح الاستراتيجيّ للمقاومة، وبالتلاعب في الذهنية الصهيونية، بخلق موجات تأييد داخل صفوف العدو، لصالح المقاومة وتحرير فلسطين.
5 ـ عدم توقف موجات التأييد للقضية الفلسطينية، وسيادة شعار فلسطين حرة(Free .. free … Palestine)، وهو شعار كان يرجّ شوارع لندن، ونيويورك، وواشنطن ومدن أوروبيّة كبيرة، وذلك أثناء فترة «الهدنة السباعيّة». والمتوقع أن تستمرّ في نشاطها وحيويّتها وإبداعها، بعد انقضاء الهدنة السباعية، وعودة العدوان الصهيوني على غزة، واستمرار المقاومة في استراتيجيتها. الأمر الذي يصبّ في نجاح استراتيجي للمقاومة والمقاومين.
وختاماً: يمكن القول بأنّ نجاحات المقاومة من هذه الهدنة السباعيّة كانت استراتيجية، وستصبّ في الدعم الاستراتيجي للمقاومة وإنجازاتها العسكرية، بعد عودة العدوان الصهيوني على غزة. وسنشهد إنجازات عسكرية جديدة للمقاومة، والتي ستصبّ في تغيرات هيكلية في حكومة النتن – ياهو، وفريق الإرهاب الذي يعمل معه ويتحالف، والتدمير الممنهج حتى الانهيار للكيان الصهيوني، وغداً سترى…
*أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، جامعة قناة السويس، جمهورية مصر العربيّة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى