كسر الهدنة وعودة العدوان على غزة…
} د. محمد سيد أحمد
في صباح يوم الجمعة الماضية استيقظت مبكراً كالعادة، وكان أول ما يشغلني هو متابعة بدء عملية الانتخابات الرئاسية المصرية في الخارج، خاصة أنّ هناك عدداً من المنصات الإعلامية كانت قد تحدّثت معي لتقديم تحليل سياسي عن الانتخابات المصرية، لكن وعلى الرغم من أهمية الحدث وجدتني أبحث عن المنصات الإعلامية التي تتابع الأحداث في غزة، خاصة «روسيا اليوم» وقناة «الميادين»، التي سخرت كلّ جهودها منذ السابع من أكتوبر لتغطية العدوان الصهيوني على غزة وقدّمت شهيدين. وكنت أعلم أنّ الهدنة قد انتهت ولم ترد أخبار عن تجديدها، وفي الوقت الذي كان يتوقع فيه المراقبون والمحللون السياسيون استمرار التجديد، كنت أتوقع وأنتظر كسرها ومعاودة العدوان.
وبالفعل مع اقتراب الساعة من السادسة صباحاً بدأ الطيران الصهيوني في قصف غزة من جديد، والحجة التي أعلنها جيش الاحتلال هي كسر الهدنة من قبل المقاومة الفلسطينية التي أطلقت صواريخها على المستوطنات الصهيونية. هذا إلى جانب عدم تقديم المقاومة قائمة جديدة من الأسرى والمحتجزين لديها لتبادلهما مع الأسرى في سجون ومعتقلات العدو الصهيوني. وبالطبع هذه حجج واهية لمعاودة العدوان، فقد كنا نتوقع ذلك عندما أكدنا أنّ العدو الصهيوني قد قبل بالهدنة صاغراً لالتقاط الأنفاس، وتخفيف الضغط الذي يمارَس على حكومته من الداخل والخارج لوقف العدوان الذي لم يحقق أهدافه، بل نال هزيمة كبرى على ثلاثة مستويات الميداني والسياسي والمعنوي.
فقد تمكنت المقاومة الفلسطينية البطلة والشجاعة عبر عملية طوفان الأقصى أن تؤكد للعالم أجمع أنها قادرة على مجابهة جيش الاحتلال وتكبيده خسائر هائلة في الأرواح والمعدّات، وثبت من خلال سير المعارك هشاشة جيش الاحتلال، وعدم قدرته على تحقيق أهدافه المعلنة، خاصة العملية العسكرية البرية التي ثبت من خلالها أنّ قوات جيش الاحتلال تحارب شبح المقاومة، التي كلما تقدّم انقضت عليه وأحاطته من كلّ اتجاه وكالت له الضربات الموجعة، مما يجعله عاجزاً عن التقدم. وبالطبع الجيوش النظامية تعجز دائماً عن مجابهة المقاومة المسلحة ذلك لأنّ الهدف يكون غير مرئي. فالمقاومة تستهدف قوات واضحة أمامها، أما الجيش النظامي فيواجه مقاومة مختفية ولا يعلم عنها شيئاً، لذلك هُزم الجيش الأميركي في فيتنام وأفغانستان والعراق لأنّ قواته النظامية واجهت مقاومة تعمل من تحت الأرض في حرب شوارع لا تجيدها الجيوش النظامية، لذلك هُزم الجيش الصهيوني وسيضطر للتسليم ورفع الراية البيضاء.
ومع الهزيمة الميدانية جاءت الهزيمة السياسية على طاولة المفاوضات، حيث قبل العدو الصهيوني الهدنة بشروط المقاومة، وكما أكدنا أنها كانت لالتقاط الأنفاس، وما العودة لكسرها ومواصلة العدوان إلا لتحسين الشروط، اعتقاداً من العدو أنّ تحقيق انتصار في الميدان يمكن أن يجبر المقاومة على القبول بشروط العدو خاصة في ما يتعلّق بالإفراج عن الأسرى من ذوي الخلفيات العسكرية، وهم الهدف الأكبر والأهم لدى العدو والذي يعلم أنهم لن يُستبدلوا بشروط المدنيين والأجانب نفسها. وللمقاومة خبرة سابقة حين استبدلت الجندي الصهيوني شاليط بألف أسير.
وبالطبع جاءت الهزيمة المعنوية حيث أكدت عملية طوفان الأقصى أنّ العدو الصهيوني يرسم لنفسه صورة ذهنية في العقل الجمعي العالمي بأنه يمتلك جيشاً لا يُقهر تمّت مرمطة هذا الجيش في الوحل بواسطة الآلة العسكرية المحدودة للمقاومة. هذا إلى جانب فشل أجهزة مخابراته التي صدعنا بأنها تمتلك قدرات خارقة فثبت من خلال عملية طوفان الأقصى ضعفها وهشاشتها. وبالطبع سقطت خلال أحداث غزة الرواية الصهيونية التي كانوا يروّجون لها بأن المقاومة الفلسطينية ما هي إلا جماعات إرهابية، فثبت للعالم أجمع أنّ جيش الاحتلال الصهيوني هو الإرهابي الحقيقي مغتصب الأرض الفلسطينية ويسعى لإبادة الشعب الفلسطيني دون رحمة، فقد قامت كلّ وسائل الإعلام بتصوير العدوان الغاشم على الأحياء السكنية، والمستشفيات، ودور العبادة، وقتل المدنيين من الأطفال والنساء والشيوخ.
ومع كسر الهدنة وعودة العدوان الصهيوني على غزة، يمكننا التأكيد بما لا يدع مجالاً للشك أنّ المقاومة الفلسطينية البطلة والشجاعة التي انتصرت في الجولة الأولى على كافة المستويات الميدانية والسياسية والمعنوية، سوف تواصل انتصاراتها لأنّ المقاومة تنتصر بالنقاط وليس بالضربة القاضية كما يعتقد أنصار وداعمو العدو الصهيوني. فالمقاومة تخوض حرب استنزاف طويلة الأمد، وكلّ يوم تكسب أرضاً جديدة، وتكتسب خبرات ستمكنها يوماً من تحرير كامل التراب الفلسطيني المحتل، اللهم بلغت اللهم فاشهد.