ذوو الاحتياجات الخاصة عباقرة من نوع خاص
} سارة السهيل
تحتفل الأمم المتحدة يوم 3 كانون الأول/ ديسمبر سنوياً باليوم العالمي للأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة، كما تحتفل به كلّ دول العالم شرقاً وغرباً لنشر الوعي بحقوق هذه الفئة من البشر، والذين يشكلون ما نسبته 15% على مستوى العالم، وحلّ مشكلاتهم ورعايتهم بالدمج الاجتماعي وبالتعليم المستمرّ وبمزيد من الأنشطة التي تحفز طاقتهم وتساويهم بنظرائهم من الأناس العاديين .
ينطــبق وصــف الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة على أحد أشكال الإعاقــة والعجز البدني، والحــسّي، وضعــف الإدراك، والقصــور الفكري، والمرض العقلي والأمراض المزمنــة، ويحتاجــون لمجــهود أكبر فــي التــلم والتوجيه والرعايــة الصحــية والنفســية والاجتــماعية.
ومنذ الإعلان عن هذا اليوم عام 1992، تتكاتف جهود دول العالم في نشر الوعي الاجتماعي بأهمية رعاية هذه الفئة، والكشف المبكر عنها منذ لحظة الميلاد وشهور سنوات الطفل الأولى بهدف التدخل السريع لعلاجها او التقليل من مخاطر أمراضها وسرعة تعليم الطفل مهارات تناسب ظروفه الصحية وتسمح بسرعة دمجه في المجتمع .
يتيح الاحتفال بهذا اليوم فرصة تأكيد حقوق الطفل المعاق وتعزيز مساواتهم بنظرائهم العاديين، وتطوير الأبحاث العلمية والداعمة لتحسين ظروف تعليمهم وتأهيل من يصلح منهم لسوق العمل .
وكلّ من في قلبه ذرة من إنسانية، يجد في الاحتفال بهذا اليوم فرصة للتعبير العملي عن التضامن مع فئة ذوي الاحتياجات الخاصة وتقديم يد العون لهم، ومحاربة ما يتعرّضون له من تهميش واستبعاد اجتماعي .
للأسف، فإنّ الكثيرين من هذه الفئة، يواجهون مشكلة العزل الاجتماعي في أماكن العمل والحياة الثقافية مما يؤثر سلباً على صحتهم العقلية والنفسية، ولذلك ابتكرت المؤسسات الدولية سبلاً للإقرار بحقوقهم والاعتراف بإعاقتهم كجزء من هويتهم التي تستحق التقدير والعون، والكشف أيضاً عن مواهبها وتطويرها، فأقيمت في ستينيات القرن الماضي أول ألعاب بارالمبية احتفالاً بالإنجازات الرياضية للأشخاص ذوى الإعاقة وفي الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي أدخلت العديد من البلدان قوانين تجعل التمييز ضدّ الأشخاص ذوي الإعاقة أمراً غير قانوني.
وتطوّرت حقوق المعاقين في القرن الحالي بخروج اتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، وهى معاهدة لحقوق الانسان تمّ إنشاؤها من أجل حماية حقوق الأفراد ذوى الإعاقة .
كفلت هذه الاتفاقية حقّ جميع الأشخاص ذوي الإعاقة في التمتع بنفس الحقوق مثل أي شخص آخر والعمل على كفالة عيشهم بكرامة بالمجتمع الإنساني، وتواصلت الجهود الدولية لتقليص فجوة توظيفهم بالقطاعين الخاص والحكومي.
والحقيقة، انّ دولنا العربية طبّقت هذه الاتفاقيات، وعملت على دعم ذوي الاحتياجات الخاصة بأشكال متعددة، غير انّ الكثير منهم حرم من هذه الحقوق في البلدان العربية التي تعرّضت للتهجير او الحروب، كما في العراق وسورية واليمن، فلم يستطع أهالي المعوقين اللاجئين من دعم أبنائهم المصابين بالتوحد، او أي إعاقة أخرى، ما لم تستطع المؤسسات الدولية المتخصّصة تقديم العون الصحي والغذائي والتعليمي إليهم لظروف الحرب والتهجير والسكن بمخيمات اللجوء .
كما انّ ذوي الاحتياجات الخاصة في البلدان الفقيرة والمنخفضة الدخل يعانون كثيراً في الحصول على حقوقهم ومساواتهم بنظرائهم، وهو ما يتطلب من المؤسسات الدولية زيادة الدعم الموجه لهم في البلدان الفقيرة والنامية، وقيام مؤسسات المجتمع ورجال الأعمال الوطنيين بهذه البلدان بدورهم الإنساني في توفير الخدمات الصحية والتعليمية والغذائية لهذه الفئات، فهم ضعفاء، وقد أوصانا نبيّنا المصطفى، بل وجعل فيهم نصرة لنا عندما نحترم آدميتهم ونقدّرهم ونساعدهم، فقد قال «إنما تنصرون بضعفائكم».
وقد سجل التاريخ الإنساني العديد من عبقريات فئة ذوي الاحتياجات الخاصة، الذين تحدّوا إعاقتهم السمعية او البصرية او الحركية وأبدعوا فنوناً وحكمة وفكر وعلم بكلّ المجالات، وأفادوا البشرية بموهبتهم وعبقريتهم أكثر من آلاف الأصحاء، ومن هؤلاء مصطفى صادق الرافعي، طه حسين، ابو العلاء المعري، بشار بن برد، عبد الله البردوني، اديسون، هيلين كيلر، جون ملتون وغيرهم الكثير .
فلنجعل لهم الفرص ولنتقّ الله بهم…