استثمار الزمن للقضاء على الشرط (الفوبيا الوجودية)
} صادق القضماني
من الأساس، من جذر حقيقة الصراع، فإنّ الحروب والمعارك التي خاضها ويخوضها الكيان بالنيابة عن دول الاستعمار غير خاضعة لمعايير القوانين الدولية، أو الشرائع السماوية، ولا يمكن أن تضبطها أدبيات موروثة من الحروب عبر التاريخ تقيّد أهدافها، أو تضع خطوط حمراء في هجماتها،
فالكيان مشروع استعماري تمّت صناعته بقوة السياسة الاستعمارية، كقاعدة عسكرية تنفيذية، بل انّ قرارات مجلس الأمن هي الأساس في تجسيد حقيقة انّ القوة في ذهنية الاستعمار، هي المرجعية وليست القرارات المنبثقة عنه.
في المقابل فإنّ النضال عبر قرن وأكثر الذي خاضته شعوب المنطقة لمواجهة سطوة وسيطرة الاستعمار، تراكمت حتى باتت المقاومة العسكرية روحيّة لشعبنا العربي والإسلامي، وتتجسّد في أحزاب وفصائل داخل دول الطوق، هذه المقاومة يعتبرها الاستعمار وربيبته (الكيان)، الشرط الذي يجب القضاء عليه في استراتيجية الزمن التي يتبنّونها. استطاعت قوى المقاومة فرض ذاتها كقوة حقيقية تستطيع زعزعة أعمدة الكيان وهذا ما شهدناه خلال عقدين من المعارك التي حدثت في المنطقة، حيث باتت غير قابلة للهزيمة إلا بمؤامرة دولية مبنية على قاعدة إقتل وفاوض.
من هذا المنطلق، تبدو واشنطن وتل أبيب أنهما تعبثان الآن في لعبة الزمن، لاجتناب حرب شاملة أولاً، والقضاء على شرط زوال الكيان ثانياً (المقاومة العسكرية) وذلك من خلال تفاوض شبه سري عبر واشنطن يضع عناوين كإجراء لتسويات مقبلة (دولتان لشعبين، دولة فلسطينية على حدود 67، انسحاب من الجولان وما تبقى من الأراضي اللبنانية)، وعدوان بهدف القتل من قبل الكيان، على قاعدة اقتل وفاوض إلى حين لا يبقى لأصحاب الأرض قوة تستخدم للمطالبة بتنفيذ الاتفاقيات التي صيغت بالكواليس.
(ذهنية الاستعمار تعتبر الاتفاقيات استثماراً في الزمن لصالح جهوزية تنفيذ مخططاتها).
الحرب لن تنتهي حتى وانْ أعلنت هدنة دائمة في غزة، فهدف دول الاستعمار وربيبتهم «إسرائيل» القضاء على المقاومة في منطقتنا وليس في غزة فقط، وأقلها اجتثاث سلاحها، وجعل شعبنا في المنطقة خانعاً وساعياً لتحسين واقعه المعيشي فقط.
الكيان الصهيوني ومنذ حرب عام 1973، انتهج سياسة المعارك التكتيكية للابتعاد عن مواجهة شاملة، وهذا ما نراه الآن في تركيزه على جبهة غزة، وإظهار عدم دخوله في الجبهة الشمالية وكأنها مطلب أميركي، بينما هو في الحقيقة لا يستطيع الصمود كما هو الآن إذا فُتحت الجبهة الشمالية، فكيف بعد شهرين من عدوانه على غزة، ووضع نفسه أمام شعوب العالم كقاعدة عسكرية قاتلة لصالح دول الاستعمار.
في غزة، يعتبر الكيان الصهيوني ايّ نتيجة هي في صالحه استراتيجياً، وذلك بجعل غزة منطقة غير قابلة للحياة، والشرط لإحيائها مرهون بدعم الدول العربية الراعية لمشاريع الغرب، (إعادة الأعمار)، وحقق بمنظوره مقاومة ضعيفة لا تقوى على الهجوم مستقبلاً، وبقاء فصائلها مرهون بقطع علاقاتها وصلتها بمحور المقاومة، لتضع تل أبيب سيناريو شكل غزة مستقبلاً بما يحافظ على أمنها ويكرّس إطالة الزمن لبقاء كيانها.
لا مناص من السؤال: هل الحرب على لبنان (المقاومة) غير واردة في هذه الظروف، أو هي الجولة الثانية، وخاصة أنّ الظرف الموضوعي الداخلي في لبنان يساعد الكيان في جعل المقاومة هدفاً مشتركاً مع قوى وأدوات تعادي مشروع المقاومة وتبحث هي الأخرى عن الخلاص منه، أو إضعافه بما يخدم مصالحها، وربما هذا مطلب لقيادات عربية كهدف مشترك أيضاً مع واشنطن وتل أبيب لتثبيت شكل المنطقة المستقبلي حسب تصوّراتهم هم؟
وبناء على ذلك، سيفرض الواقع الذي لن تلتقي فيه مصالح مشتركة بين أصحاب الأرض والحق وبين الاستعمار وأدواته حرباً شاملة أو متعددة الجبهات، لكن بلا غزة المنهكة ولا الضفة المقسمة، فهل الزمن في صالحنا او في صالحهم؟!!
لذلك يشكل الزمن استراتيجية الكيان لإضعاف السبب لزوالهم، وهذا المنطق متغلغل في ذهنية قادته ويشكل الفوبيا الأساسية، لذلك وصف نتنياهو هذه المعركة بالوجودية، فهو لم يهدف لشدّ عصب مجتمع مستوطنيه بهذا الطرح، بل تبرير لمستوى الجرائم التي سينفذها لتحقيق هدف صنّاع السياسة والقرار، ولكنه لم يعِ انّ شعوب العالم لا تبحث عن تبريرات للرواية، وستنتفض لإنسانيتها المغيّبة أصلاً واكتشفت هذا بدور حكوماتها أخيراً.
لعله من المفيد التأكيد في خاتمة الكلام، أنّ المقاومة اللبنانية حققت نتائج عالمية إيجابية بعدم فتح جبهة هجومية في بداية المعركة واكتفت بجبهة مساندة، مما وفر لغزة تضامناً عالمياً كبيراً أعاد نبض القضية الفلسطينية إنسانياً أمام انكشاف حقيقة الكيان ليس كقاتل فقط، بل كأداة لمنظومة النهب الاستعمارية وهذا يؤسَّس عليه للمستقبل.
يبقى التساؤل، هل الحرب الشاملة ستبدأ كمبادرة استباقية من محور المقاومة أو كردّ فعل على عدوان صهيوأميركي لا مناص منه على لبنان او اليمن أو أيّ جبهة تشكل عائقاً لهم لاستكمال تنفيذ مشروعهم في المنطقة.
او ستنتهي هذه المعركة كما انتهت عام 2006، بخضوع وكيل واشنطن لشروط المقاومة ثم نشهد سنوات من التفاوض، يسبقها تحرير كامل الأسرى من سجون الاحتلال، ليعتبر قادة الكيان أنها فرصة جديدة لكسب الزمن باستراتيجية البحث عن أقلّ الخسائر، بطرح خريطة طريق تحافظ على تواجد مجتمع المستوطنين في فلسطين.
لا يُلدغ المؤمن من الجحر مرتين، لكن واقع الحال الدولي يحتم تفهّم قرارات محور المقاومة بموضوعية وطنية وإنسانية أيضاً…