الهزيمة الاستراتيجية للكيان الصهيوني.. وانهيار جنون القوة!
} د. جمال زهران*
تعتبر عملية «طوفان الأقصى».. مفاجأة استراتيجية لقوى المقاومة الفلسطينية بقيادة حركة «حماس»، وحركة «الجهاد» وشركائهم، وذلك يوم ينشر ويذاع نقطة من محيط هذه العملية الواسع وبلا حدود. كما أنّ هذه العملية كشفت مدى الوهن الشديد في أجهزة المخابرات الصهيونية واستطلاع الجيش، وكشفت مدى الترهل الذي أصاب هذا الجيش إلى حد التأكيد على ما سبق أن قاله السيد حسن نصر الله، في أحد خطبه بأن الكيان الصهيوني – كله – هو أهون من بيت العنكبوت، إشارة إلى ضعفه الشديد. ولم يكن يرى البعض أن هذه حقيقة، بل كانوا يرونها مبالغة كبيرة، ولكن الجميع رأى ذلك بأم عينيه، وعلى مرأى ومسمع من جميع وسائل الإعلام وعلى الهواء، باعتبارها الحقيقة. حيث إن المعلومات المذاعة حتى هذه اللحظة أن عملية طوفان الأقصى، خلّفت خسائر ضخمة في البشر من العسكريين والمستوطنين المتعسكرين نحو ألفين في يوم واحد، وأسر ما يقرب من (250) من الفئتين!!
كما أنه يتردّد بكثافة أن أحد أجهزة مخابرات الدول العربية القريبة من الكيان الصهيوني، قد نبّههم بما يمكن أن يحدث (موعداً وحجماً)، إلا أنهم لم يلتفتوا إلى ذلك، واستمروا في الاحتفال والرقص يوم السبت المناسب عيد للصهاينة. الأمر الذي قام فيه «النتن-ياهو» بتوجيه الاتهام إلى رئيس جهاز المخابرات وتحميله المسؤولية عما حدث، مما خلق صراعاً داخل الحكومة الصهيونية بقيادة «النتن-ياهو»!!
ولعل الإنجاز الضخم في السابع من أكتوبر لصالح المقاومة الفلسطينية، بصورة لم يصدقها العدو الصهيونيّ حتى الآن، وهي تعادل إنجاز حرب أكتوبر 1973م، على الجبهتين المصرية والسورية، هو السبب وراء الهجوم والعدوان الجنوبي على المدنيين العزّل في قطاع غزة كله، حتى الآن، رغم مرور أكثر من (60) يوماً على مفاجأة السابع من أكتوبر (تشرين الأول) وأعقبه العدوان الصهيونيّ، والإتيان بسلوك لا يخرج عن العصور البدائيّة، وبالمخالفة الصريحة للقانون الدولي عموماً، وقانون الحرب خصوصاً، في إطار سياسة «الإبادة الجماعية» للشعب الفلسطيني في غزة، وإجبار من يتبقى منه على التهجير القسري إلى الأراضي المصرية، في إطار مخطط مُعد سلفاً وباتفاقيات، على ما يبدو أنها مرتّبة ومجهزة سلفاً بتخطيط أميركي أوروبي صهيوني واضح!! ولعل الأيام المقبلة ستكشف المزيد من المعلومات بشأن هذا المخطط الإجرامي الذي يتم الترويج له، عبر مراكز أبحاث في كل من أميركا، وأوروبا وداخل الكيان الصهيوني بشكل فجّ يصل إلى مرحلة الفجور!!
ولا يزال العدوان الصهيوني المدعوم أميركياً وأوروبياً بالمال والعتاد، بل والجنود، يقتل المدنيين في غزة، ويهدم البيوت والمباني ويضرب المستشفيات ويهدمها على ما فيها، ويهدم المنازل، ويقتل أسراً وعائلات بأكملها. وتسلّمت الموافقة الصريحة على أنها تمتلك القرار بدخول المساعدات والوقود، إلى الشعب في غزة!! في افتئات على سيادة الدول المحيطة، وكأن الكيان الصهيونيّ يمتلك اليد العليا في إدارة شؤون الإقليم، وهو الأهون مثل بيت العنكبوت!! فالعدو الصهيونيّ مستمرّ في قتل الأطفال والنساء، بلغت نسبتهم 70% من إجمالي الشهداء الذي بلغ نحو (20) ألفاً، وضعفهم من المصابين!!
إذن نحن أمام مشهد إجرامي غير مسبوق تاريخياً، مدعوم بالمجتمع الدوليّ وتنظيماته، وممارسة الإرهاب ضد الأمين العام لمنظمة الأمم المتحدة، لتفعيله إحدى مواد الميثاق الأممي (99)، ومطالبته بالاستقالة لمجرد أنه طالب بوقف الحرب والعدوان بلا قيود دولية، وبتستر دوليّ من القوى الفاعلة في هذا النظام المزدوج الممارسة والفعل وخاصة أميركا وأوروبا، استمراراً للمشروع الاستعماري في المنطقة المتمثل في الكيان الصهيوني، ووظيفته الحيلولة دون وحدة وتقدم ونهضة الأمة العربية، واستمرارها في مستنقع الفتن والانقسامات والتخلف.
إذن نحن أمام عدو صهيوني غادر لم يستطع أن يفيق من حجم الهزيمة الاستراتيجية التي واجهته في السابع من أكتوبر (تشرين الأول)، فبات يتصرّف كالمجنون، وغير مدرك لحجم استمرار هذه الهزيمة، بفعل المقاومة الفلسطينية، التي أعدت العُدة الكاملة لهذه العملية. في المقابل لهذه الهزيمة الاستراتيجية للكيان الصهيوني، التي تمثّلت في المفاجأة الاستراتيجية لقوى المقاومة، وتداعياتها في استمرار الضربات المتتالية داخل تل أبيب (عاصمة الكيان)، والمدن الكبرى، فضلاً عما تقوم به الساحة اليمنية من ضرب ميناء إيلات حتى التوقف التام عن العمل، وضرب السفن الصهيونيّة في البحر الأحمر وأسر بعضها، ومنع المرور رسمياً في مضيق باب المندب، نجد المقاومة الفلسطينية وهي تُحرز الانتصار الاستراتيجي عبر عمليات المقاومة في غزة وفي الضفة الغربية، وفي داخل أراضي فلسطين المحتلة، فضلاً عن تصاعد الساحة اللبنانية في الجنوب بقيادة حزب الله، ودخول الساحة اليمنية على الخط، والمقاومة العراقية ضد القواعد العسكرية الأميركية في الشمال العراقي، والشمال السوري.
وفي ضوء ما سبق، فقد تأكد الانتصار الاستراتيجي للمقاومة الفلسطينية، ولمحور المقاومة كله، على الكيان الصهيوني، وفي المقابل الهزيمة الاستراتيجية لجيش العدو الصهيوني المحتل، وانهيار الكيان من الداخل، متمثلاً في مؤشرات عديدة أبرزها، هجرة أكثر من نصف مليون صهيونيّ بلا رجعة من الكيان لبلادهم الأصلية، والنزوح الداخلي من شمال فلسطين المحتلة، والنزوح الصهيوني من غلاف غزة وبلا عودة حتى الآن في كليهما. وبين النصر الاستراتيجي للمقاومة الفلسطينيّة ومحورها، وبين الهزيمة الاستراتيجية للكيان الصهيوني ولداعميه في أميركا وأوروبا، والداعمين العرب للأسف، فإن العد التنازليّ للانهيار التام للكيان الصهيوني قد بدأ.. ولم يعد متبقياً سوى إعلان الوفاة، بعد الموت الإكلينيكي له حالياً، من جراء ما حدث في السابع من أكتوبر، وتحية للمقاومة الفلسطينية بكل فصائلها، فقد رفعت رؤوسنا عالية.
*أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، جامعة قناة السويس، جمهورية مصر العربية.