إلى متى تستمرّ قرصنة المصارف لأموال المودعين
} عمر عبد القادر غندور*
تواصل المصارف اللبنانية الناهبة تبرير سلوكها الفاجر مع مودعي أماناتهم الضائعة، وتقول انّ الدولة هي المسؤولة عن إنفاق أموال المودعين، وهي المسؤولة عن الفجوة التمويلية بل ملزمة بتعويض المودعين، مكررة انّ الدولة سحبت أكثر من 62 مليار دولار من المصارف وتأخرت في إقرار الموازنة !
هذه المصارف تعلم علم اليقين انّ المودعين الذين أودعوها جنى تعبهم على مساحة أعمارهم لا علاقة لهم بهذه التفاصيل المملة ، لا سيما أنّ المصارف تتهم مصرف لبنان بأنه امتنع عن إعادة الودائع بالعملات الأجنبية الى المصارف التي كانت على استعداد لردّها الى المودعين، وانّ الدولة اللبنانية على مدى 11 عاما بين 2010 و2021 استدانت من ودائع اللبنانيين لدى مصرف لبنان وأنفقتها !!
ومرة جديدة نعيد ونكرّر انّ المودعين وضعوا ودائعهم في صناديق المصارف وليس لدى مصرف لبنان، ومثل هذا يعني انّ المصارف تتجاهل وزر الأساليب اللصوصية التي ارتكبتها بعقود وتتقدّم بمذكرة ربط نزاع بهدف وقف مفاعيل ايّ إجراءات او قوانين قد تطال رؤساء وأعضاء مجالس الإدارة وتعريض أموالهم الشخصية لتبعات تصرفاتهم وهي تدرك انه لم يعد لديها ما تخسره، وتمضي في المماطلة وهدر الوقت وتجاهل الخسائر المركبة بين نهاية 2019 ونهاية تشرين الأول 2023 يوم غادر الحاكم رياض سلامة من غير ان يقول له أحد «ما احلى الكحل بعيونك» ومن غير محاسبة، في الوقت الذي هرّبت فيه المصارف أرباحها العائدة زوراً في فترات تعديل صرف الدولار من 1507,5 ليرات مقابل الدولار الى 15 ألف ليرة يومها بحسب نشرة جمعية المصارف ولديها محفظة اكتتابات في شهادات إيداع صادرة عن مصرف لبنان بالليرة اللبنانية بقيمة 43147 مليار ليرة، ايّ ما يعادل في حينه 28,6 مليار دولار، ايّ انّ المصارف استثمرت أموالاً لدى مصرف لبنان بقيمة إجمالية تبلغ 47,3 مليار دولار، والاستثمار يعني أنها أي جمعية المصارف تتحمّل مخاطر هذا الاستثمار ومكاسبه ايضاً. وفي ذلك الوقت كانت هوامش الفائدة، ايّ الأرباح التي تجنيها المصارف من الفرق بين فائدة توظيفاتها والفائدة التي تدفعها لزبائنها يبلغ 2,3% على الدولار و 4,38% على الليرة، وهذه المكاسب حققتها المصارف على مدى عقود من مصرف لبنان، وبالتالي فهي عندما تتهم مصرف لبنان بأنه بدّد الودائع فمن الأفضل القول إنها المتهم الأول الذي انتقل الى جيوب مساهميه قسم من الأموال التي وُظفت لدى مصرف لبنان.
وبالعودة الى هذه المصيبة التي حلت بالمودعين نعود بالذاكرة الى أواخر عام 2019 لنجد انّ الجزء الأكبر من الودائع تبخرت وهي تتجاوز 120 مليار دولار وتحوّلت بفضل اللصوص الى أرقام لا قيمة لها في سجلات المصارف، و»اللي ما عجبوا يروح يبلط البحر»!
وبعد حلول خريف العام 2021 بقي في القطاع المصرفي اللبناني أقلّ من 20 مليار دولار وتبخرت مبالغ أخرى من العملات الأجنبية في انهيار اقتصادي شامل اعتبره «البنك الدولي» الأسوأ في العالم بعد الحرب العالمية الثانية، إذ اختفى أكثر من مليار دولار من الودائع المصرفية من دون سابق إنذار! واستحقت هذه القرصنة لقب «سرقة القرن».
ومع ذلك لم يخرج ايّ مسؤول رسمي حتى اليوم ليخبر المواطنين عن حقيقة هذه السرقة الضخمة التي حلّت بالبلاد والعباد! او يفسّر للمودعين المنكوبين وبعضهم أصبحوا شحادين أين ذهبت أموالهم، وبالتالي انهارت الليرة اللبنانية وتهاوت، وحينذاك سرّبت معلومات صحيحة عن قيام سياسيين وأصحاب مصارف ومتنفّذين بتحويل أموالهم الى خارج البلاد خلال فترة الإقفال، وقال المدير العام السابق لوزارة المالية اللبنانية وعضو المجلس المركزي لمصرف لبنان طيلة 19 عاماً السيد ألان بيفاني انّ النخبة المالية «هرّبت مبالغ ضخمة من لبنان الى الخارج». وتحدث الخبير المالي مروان اسكندر عام 2019 خلال مقابلة صحافية عن تهريب 6,5 مليار دولار. وحتى هذه الإفادات والأرقام يمكن إدخالها في دهاليز التحقيقات التي لا تعيد دولاراً واحداً.
على ايّ حال فالمودعون أودعوا أموالهم في المصارف بعقود خطية ملزمة ولا يمكن للمصرف بحكم القانون ان يجري اي تعديل على هذه العقود ومن يقدم عليه ستترتب عليه مسؤوليات جسيمة قد يتأخر تنفيذها في حالة لبنان الحالية، ولن نيأس من عودة لبنان الى عافيته، ولا بدّ للمودعين ان يستعيدوا أموالهم ويرفعوا الظلم الذي يصل الى مرتبة جريمة ضدّ الإنسانية حيث انّ الذمة المالية للإنسان جزء أساسي من كيانه .
*رئيس اللقاء الإسلامي الوحدوي