الخلاف بين بايدن ونتنياهو ليس خلافاً أميركياً إسرائيلياً
} سعادة مصطفى ارشيد*
الخلاف في الرأي لا يفسد للود قضية، والتطابق بالرأي أمر شبه مستحيل حتى في داخل أكثر الأحزاب والمنظمات العقائدية والحديدية في الالتزام، والتي يختلف فيها المحازبون بالتفاصيل، وحتى في تفسير النصوص العقائدية ولكنهم لا يختلفون في الأهداف والمسائل الكبرى. ولعل هذا المدخل المناسب للحديث عن الخلاف بين الرئيس الأميركي بايدن والذي قام بإشعال شمعة الحانوكاه اليهودية وأعلن أنه صهيوني وصديق لـ(إسرائيل) فيما يراه الآخرون، ومنهم كاتب هذا المقال (إسرائيلياً) صميماً أكثر من كثير من (الإسرائيليين)، وبين رئيس الحكومة في تل أبيب بنيامين نتنياهو.
أثارت تصريحات بايدن حول رأيه بأداء رئيس الوزراء نتنياهو لغطاً في الأجواء السياسية وقدّمت مادة خصبة للتحليلات والتصوّرات التي ذهبت ببعض المتفائلين للقول إلى إن الولايات المتحدة بصدد تغيير جذريّ في مقارباتها للمسألة الفلسطينيّة، أو أنها اكتشفت خطورة النهج (الإسرائيلي) المتّبع في حرب تشرين الثانية وأنها ليست موافقة على قتل مدنيّين وأصبحت تخشى على مكانتها الأخلاقيّة والأدبيّة. هذا التحليل قد غاب عنه، نسي أو تناسى ما فعلته الولايات المتحدة في أفغانستان والعراق وليبيا في سجن أبو غريب او معتقل غوانتانامو، وأماكن عديدة في العالم، أما مَن رأى كل أو بعض ذلك فيستطيع أن يدرك أن «إسرائيل» هي التلميذ النجيب للإدارة الأميركية في الجريمة وأن لا أخلاق ولا مكانة أدبية لا للولايات المتحدة ولا للغرب، وإنما المكانة كل المكانة هي في المصالح والتي تأتي دائماً على حساب الشعوب ودمائها ومستقبل من يبقى حياً من أطفالها، لا قيمة للإنسان ولا البشر ولا الحجر، وهو بالضبط ما يحدث في غزة اليوم.
نقطة الخلاف الرئيسة، حسب ما يرى بايدن، هي حول اليوم الثاني لما بعد انتهاء الحرب على غزة والقضاء على المقاومة وحركة حماس وتحرير مَن اعتقلتهم المقاومة. ويرى بايدن أنه ضروري تقديم الدعم للسلطة الفلسطينية في رام الله وإعادة تأهيلها وإصلاحها كي تكون قادرة على تسلّم غزة، فيما يرى نتنياهو أن الخلاف يتمحور حول رأيه في السلطة الفلسطينية التي قد تجاوزها الزمن وأصبحت من لزوم ما لا يلزم وأنه أخذ قراراً بتهشيمها وأن الجيش قد أخذ المبادرة لتنفيذ ما يراه لازماً في الأراضي التابعة السلطة الفلسطينية دون الحاجة الى أجهزتها الإدارية او الأمنية وأنه يستطيع احتلال غزة وإدارتها، والأهم أنه لن تعود الضفة الغربية وغزة الى ما كانت عليه قبل عام 2007، فالانقسام الفلسطيني – الفلسطيني يجب تعميقه أكثر فأكثر.
لم تكن العلاقة بين الحزب الديمقراطي ونتنياهو جيدة في السابق. فقد كان هذا الأخير مقرباً من الإدارات الجمهورية، وخاصة إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب وقد دعمه في الانتخابات الرئاسية في مواجهة بايدن، لكن بايدن الفائز قام بدوره بدعم خصوم نتنياهو في الانتخابات (الإسرائيلية) قبل الأخيرة والأخيرة كما مارس على الحكومة (الإسرائيلية) ضغوطاً لتوزير زعيم المعارضة السابقة ورجل بايدن بيني غانتس وجعله عضواً في مجلس الحرب عندما اندلعت حرب تشرين الثانية.
المثير للاستغراب أن كلاً من بايدن ونتنياهو يفترضان مسبقاً الانتصار على المقاومة في غزة وسحقها في ما تذهب الإشارات المنطقية لا الرغبوية بأن الحرب لا زالت طويلة، وأن المقاومة لا زالت قويّة وثابتة وتوقع بالجيش الإسرائيلي الضربات المؤلمة، وتعلن بقوة أنها ماضية بالحرب حتى نهاياتها وتحقيق شروطها، مما يعني أن انتصار الاحتلال في غزة غير وارد في الحساب، بغض النظر عما يمكن أن يفعلوه من قتل وتدمير.
الخلاف ليس بين الولايات المتحدة و(إسرائيل) بقدر ما هو بين بايدن ونتنياهو، وهو يتعلّق في جانبه الأساسي برؤية كل منهما لطريقة إدارة الحرب وتفاصيلها أما في الجانب الثانوي، فلا شك في أن هناك عدم انسجام شخصي بين الرجلين، وقد دعم كل منهما خصوم الآخر ولكن قد يفوت أصحاب التحليلات الاستعجالية النظر في عمق العلاقة ما بين الغرب عموماً، والولايات المتحدة خصوصاً، مع دولة الاحتلال والتي هي أكبر من الأشخاص حتى لو كان أحدهم رئيساً في واشنطن والأخر رئيس حكومة في تل أبيب. إنها مسائل الدولة العميقة في كلا البلدين التي ترى ارتباطاً مصيرياً وعضوياً في ما بينهما لدرجة أن الولايات المتحدة وإن كانت تحاول ضبط إيقاع القتال وحصره ما بين غزة ومقاومتها من جانب و(إسرائيل) من جانب آخر، كي لا يتحول الى صرع إقليمي الا انها ستضطر الى دخوله في حال اتسعت الرقعة ووصل الى المواجهة المباشرة مع المقاومة اللبنانية او اليمن او ايران، لا بأساطيلها المرابطة في شرق المتوسط الآن، وإنما بعساكرها على الارض ومعها عالم الغرب والملتحقون به. فالدولة العميقة في كل من (إسرائيل) في الولايات المتحدة ترى في دعم (إسرائيل) بالسلاح والسياسة أمراً استراتيجياً من الدرجة الأولى ومسألة أمن قومي أميركي.
لا يعني هذا ولا بأي حال من الأحوال النظر إلى المسألة باعتبارها عابرة هي ولا شك مسألة على قدر من الأهمية، ولكنها تتعلق بإدارة الحرب لا بوقفها، وذات تأثير على السياسات الإسرائيلية الداخلية، ولكنها تبقى خارج قرارات الحرب وفي حدود الاختلاف بالرأي الذي لا يُفسد للودّ الأميركيّ قضيّة مع دولة الاحتلال.
*سياسي فلسطيني مقيم في الكفير- جنين – فلسطين المحتلة.