المراوح والجيش… وجهان لعملة واحدة
} صادق القضماني
مما لا شك فيه، أنّ صنّاع خريطة الشرق الأوسط الجديد (بمفهومهم) لم يتجاوزوا الجولان المحتلّ من مخططاتهم، واعتماداً على سياسات واشنطن في الإدارة السابقة، فإنّ الجولان ليس بوارد إعادته تحت سيادة دولته الأم كتنفيذ لقرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن ذات الصلة، ولا من خلال مبادرة لتسوية شاملة في المنطقة، بل سعت تلك الإدارة لتثبيت «سيادة» الاحتلال والاعتراف فيها على أرض الجولان المحتل.
من الطبيعي التكهّن بأنّ ذهنية الاستعمار رسمت مخططاً لإنهاء قوة تأثير الموقف الوطني الشعبي للسكان العرب السوريين في قرى الجولان المحتلّ، الذين يصرّون خلال سنوات الاحتلال على موقف متقدّم وأصيل للحفاظ على هوية الأرض من خلال رفضهم «الأسرلة» وجميع مشاريع الذوبان في كيان الاحتلال، بل صدح صوتهم كأبناء أرض محتلة لهم حقوق، وأوّلها الحقّ في النضال من أجل التحرر من نير الاحتلال، وصلت تردّداته للمجتمع الدولي وشعوبه، مما أعطى الدولة الأمّ إضافة لاستصدارها قرارات ذات صلة باعتبار الجولان أرضاً محتلة، و»سيادة إسرائيل» غير شرعية، وواجب التطلع لتحرير الأرض ليس فقط لعودة سيادتها على كامل الأرض، بل لإعادة أصحاب الأرض (النازحين عام 1967) إلى قراهم ومدنهم. فقد أكدت حرب تشرين التحريرية عام 1973، بأنّ ذهنية القيادة السورية لن تتردّد في شنّ حرب لاستعادة الحق.
استنادا إلى هذه الذهنية العربية السورية شعباً وقيادة، ومن خلال قراءة ذهنية الاحتلال والاستعمار، فإنّ العنوان الواضح الذي تجلى في العدوان على غزة هو أنّ التهجير سياسة وهدف لدى صناع القرار الاستعماري (التهجير أو الذوبان) بكون الهدف الأساسي مساحة الأرض بلا سكان .
الواقع الديموغرافي للسكان العرب في الجولان، ودورهم الوطني الذي تمّ حصره بالثبات والنضال سياسياً للحفاظ على الهوية العربية بشكل عام والسورية الوطنية بشكل خاص، لم تعط قادة الكيان فرصة موضوعية لشنّ معركة عسكرية ضدّهم بعد إنجازات إضراب عام 1982 على أثر قرار الضمّ المشؤوم حينه، بل استدعت كما يبدو خطط لاختراق قياداتهم بهدف إضعافها، مع خلق واقع معيشي سهل ينهي العداء البديهي مع قوى الاحتلال، (حسب ذهنيتهم) ومن ثم تنفيذ مشاريع كبيرة تضع السكان أمام خيار البقاء وقبول الأمر الواقع للذوبان في كيانهم، أو الهجرة مثلاً، ومن الطبيعي انّ المؤامرة على سورية في السنوات الماضية، خلقت واقعاً معيشياً صعباً داخل الأراضي السورية، والتي حسب التكهّن من خلال تحليل سلوك وطروحات أدواتهم في القرى المحتلة، فإنّ سكان الجولان لن يرغبوا في عيشه كبديل، وهذا التحليل قراءة لذهنيتهم وليس ما سيواجهه الاحتلال من الموقف المعهود للسكان عبر سنوات الإحتلال كلها.
من خلال هذه القراءة، نستطيع ربط، محاولة تنفيذ مشروع الطاقة البديلة (المراوح)، داخل الأراضي الزراعية للسكان وبالقرب من مناطق سكنهم، كجزء من هدف ترسيخ أسباب الهجرة او النزوح لما تسبّب هذه المراوح من آثار مدمرّة على الزراعة وصحة الأهالي.
ومن خلال الربط، فإنّ السعي بقوة بالتزامن مع طرح مشروع المراوح حينها، لفكرة انتخابات المجالس المحلية، المرفوضة من السكان لاعتبارات وطنية سيادية، من خلال أدوات الاحتلال في القرى المحتلة تحت غطاء الخدمات وتحسين سبل الحياة، تهدف في عمقها ليس للخدمات فهي متوفرة، وتدفع الضرائب من أجل تنفيذها، بل لخلق انقسامات في الموقف الوطني الملتزم لاستثماره في إضعاف الحركة الوطنية وتأثيرها، وهذا تأثير طبيعي لغياب قوة السلطة الأم كما كانت، وهي تصبّ انشغالها في اجتثاث المؤامرة على مساحة سورية، (أيضاّ تكهّن لطريقة فهمهم لمجتمعاتنا).
من خلال تزامن بروز اليمين المتطرف بقوة، وهو وجه إسرائيل الحقيقي، وإشهار نوايا الترانسفير للعرب في فلسطين، وإعادة نبش «حقها» المزعوم في (إسرائيل الكبرى) أن يُفعل الاحتلال أدواته في الجولان المحتلّ، لتجنيد شباب وفتيات للخدمة التطوعية في الأجهزة الأمنية والعسكرية، وذلك ليس بهدف الحاجة، بل بهدف إسقاط المنطقة في جدل يمسّ عماد الموقف وتحقيق انقسام بالرأي في طريقة التعبير عن الانتماء للوطن، وبالتالي تمرير نقاش عام بأنّ هنالك أصواتاً ترى في الاحتلال وسيادته وطنهم المستقبلي، ومن يعارض او يصرّ على الموقف العقائدي، فليبحث عن مستقبله ومستقبل أولاده في ايّ مكان آخر، أو في أعلى مستوى من التحليل، يتمّ طرح إعادة القرى الخمس للسيادة السورية، وتبقى باقي الأراضي مع أدوات الاحتلال تحت السيادة الصهيونية.
من الجدير ذكره، ونحن في الذكرى الـ 42، لإعلان قرار ضمّ الجولان لسيادة الاحتلال، والانتفاضة الشهيرة المعروفة بـ (إضراب الهوية) الذي أكد فيه سكان الجولان المحتلّ عمق انتمائهم لوطنهم وعروبتهم، بأنّ هذه القراءة تعتمد على تحليل ذهنية الاحتلال وتمنيات أدواته، ولن يكون لها في واقع الحال ايّ إمكانية لتنفيذ هذا المخطط بلا مواجهة عنيدة وحاسمة من السكان، فغالبية سكان الأرض المحتلة أثبتوا انهم في اللحظات الفارقة أهل للدفاع عن الأرض والكرامة الجمعية والهوية الوطنية، وعازمون على إفشال اي مشروع يمسّ ثباتهم وحقهم ومستقبلهم. لكن ومن المسؤولية الإشارة إلى أنّ قادة الكيان يعتبرون تنفيذ مخططاتهم الكبرى لتثبيت وجودهم في هذا الواقع لا بد منه.
في الخاتمة، لا بدّ من التأكيد على أنّ مشروع الطاقة البديلة، وانتخابات المجالس المحلية، ومحاولة جر الشباب للتطوع بالجيش، أوجه في عملة واحدة، تخدم الاحتلال مقابل موقف أهالي الجولان العربي السوري المحتل.