أميركا: ضمانات نفطية واتفاقات «تحت الطاولة»؟
} نمر أبي ديبّ
واثقون بأنّ الدول العربية لن تستخدم النفط كسلاح، عبارة أدلى بها كبير مستشاري الخارجية الأميركية لأمن الطاقة العالمي عاموس هوكشتاين في خضمّ حرب غزة في لحظة مصيرية استثنائية من تاريخ المنطقة، وأيضاً من عمر الصراع العربي ـ «الإسرائيلي»، الذي دخل مع عملية طوفان الأقصى مرحلة جديدة من العمل المقاوم، القائم على موازين إقليمية مختلفة، ذات عناوين استراتيجية كبرى وضعت للمرة الأولى كيان الاحتلال الإسرائيلي في خانة «القابل للزوال» نتيجة الترهّل الوجودي واستعصاء استمراريته في بيئة مقاوِمة بمعزل عن الدعم الأميركي والحضور العسكري في المياه الدافئة.
هنا تجدر المقارنة ما بين المواقف السياسية التي أطلقتها الدول النفطية في قمة الرياض العربية وبين الكلام الصادر عن عاموس هوكشتاين، الذي عكس من زوايا مختلفة حجم الطمأنة السياسية، كما «الهدوء النفطي» الاستراتيجي، الذي تدور الولايات المتحدة الأميركية اليوم في فلكه، وهذا يطرح العديد من علامات الاستفهام التي تصل في معظمها إلى حدود الشبهة وحتى الإدانة لما قد يُعتبر تخاذلاً أو حتى شراكة سياسية من زوايا نفطية في حرب غزة.
بلغت حرب الطاقة بمؤثراتها الوجودية الاستثنائية على كامل البيئة الأوروبية مستويات مفصلية أنهت بالنسبة لكثيرين على الساحتين الإقليمية والدولية الدور الفعلي لأوروبا، لحلف شمال الأطلسي وأيضاً للعظمة الأميركية التي فشلت في استحضار البديل، وتأمين سبل الخروج الأوروبي من كنف «حصار الغاز» الذي فرضته روسيا في مراحل سابقة، ما يؤكِّد ويشير إلى مركزية حرب الطاقة ودورها المتقدّم في نظام المواجهة الحديث، كونها بديلاً استراتيجياً لحروب مدمّرة ورافعة استثنائية لمواجهات سياسية عسكرية باردة، قائمة على صفيح إقليمي دولي ساخن.
ما تقدَّم يظهر بشكل واضح استثنائية ما يمكن أن تمثله «حرب الطاقة»، على أكثر من مستوى سياسي وعسكري، يظهر الثقل الاستراتيجي الذي يمكن أن يتركه سلاح العصر على مجمل البيئات البشرية، كما الدول الخارجية التي ترى في مقدرات الدول النفطية، حاجة وجودية ضامنة لاحتياطها القومي، الذي يمثِّل من زوايا مختلفة امتداداً كيانياً لعظمة قد تصبح مهجورة المنشأ مع غياب الحاجة الاستهلاكية للدول المعنية، والمشهد الأوروبي في مراحل «حصار الغاز، وحرب الطاقة» خير دليل على نوعية السلاح المستخدم وأيضاً على دوره المتقدّم في استكمال الحروب المدرجة اليوم على قائمة التنفيذ الدولي، لضمان مسار وظروف التسوية المنتظرة على الساحتين الاقليمية والدولية.
ما تقَّدم أظهر بشكل واضح حجم «الأريحية» العسكرية، التي قدّمها وما زال عامل الطمأنة الاستراتيجية، أيّ ما تحدث عنه كبير مستشاري خارجية أميركا لأمن الطاقة العالمي عاموس هوكشتاين كما طرح العديد من علامات الاستفهام السياسي حتى التساؤل عن الجهة أو الجهات النفطية الضامنة لتلك الطمأنة، عن الأثمان السياسية والوعود التي حصل عليها البعض مقابل تبديد الشكوك في الدرجة الأولى وتجديد الالتزام السياسي والعسكري مع المحور الغربي الذي تقوده الولايات المتحدة الأميركية.
لا شك في أنّ التخلي العربي عن فكرة الاستثمار الأمني والسياسي بمفاعيل سلاح النفط هو تحوّل وجودي في بنية الموقف العربي الذي بدأ في التنامي بعد (حرب أكتوبر/ تشرين الأول 1973)، وفشل الدول العربية في صياغة «سياسة عربية موحدة» إزاء القضايا القومية المشتركة، من بينها «فلسطين» وهو ما يعكس اليوم حالات التفكك العربي كما الاختلاف على قضايا داخلية أساسية وأيضاً وجودية.
وما كشفته «قمة الرياض» عكَس بشكل واضح واستثنائي حجم الترهّل العربي القادر على إصدار بيانات الاستنكار والإدانة، بمعزل عن ردود الفعل العسكرية، أو المواجهة في بُعدها العسكري والسياسي القائم على فرضية حرب النفط كما حدث في أكتوبر 1973 حين تكبّد الاقتصاد الأميركي خسائر كبيرة نظراً للواقع الزمني الذي استعمل فيه العرب سلاح النفط الذي امتدّ من 17 أكتوبر/ تشرين الأول 1973 حتى 18 مارس/ آذار 1974.
قد يكون الكلام الصادر عن عاموس هوكشتاين أكثر من طبيعي في زمن «السلم»، لكنه محض إدانة في مراحل العدوان على غزة التي بلغت في بعدها العسكري وأمنها السكاني مستويات غير مسبوقة من الدموية الممهورة بختم التدمير والتهجير الممنهج الغير مقبول جملة وتفصيلاً.
انطلاقاً مما تقدّم، تعيش الولايات المتحدة الأميركية حالة من طمأنة غير قابلة للصرف في ميادين وساحات المنطقة المشتعلة، على قاعدة من يمتلك سلاح النفط لا يمتلك مفاتيح الأمن النفطي في دول المتوسط كما في مرافق التصدير، التي باتت خاضعة اليوم رغم الأسطول البحري الأميركي، والغواصات النووية، إلى موازين قوى جديدة يمنية على وجه التحديد، قد لا ترى فيها الولايات المتحدة الأميركية مستقبلاً مساحات نفطية آمنة للاستثمار في مقدرات المتوسط.