أنصار الله 2023: استعادة ذكريات
} حسن كحيل
{ عن اليمن الجنوبي 1973 وأنصار الله
يعتبر البعض أنّ قرار الرئيس جمال عبد الناصر بإرسال قوات من الجيش المصري للمشاركة في حرب اليمن ابتداء من العام 1962 – والتي وصل عديدها في لحظة الذروة الى ما يقرب 70 ألف مقاتل – هو السبب الرئيسي في هزيمة حرب 1967، إلا أنه ينسى فضل هذه القوات في المساهمة في تحرير عدن واستقلال اليمن الجنوبي عن الاستعمار البريطاني. كما سمحت هذه القوات للبحرية المصرية – التي رست في موانئ اليمن الجنوبي – بإغلاق مضيق باب المندب في وجه الملاحة البحرية الإسرائيلية خلال حرب 1973 وقطع عن “إسرائيل” إمدادات النفط المرسلة من شاه إيران. هذا الحصار البحري ساهم في انتصار 1973 الذي أضاع السادات نصفه في أواخر الحرب بفضل خبرته العسكرية الضحلة جداً وقراره إعفاء رئيس أركانه المحترف، سعد الدين الشاذلي، بالإضافة الى فلسفته الغريبة والمجرمة حول السلام المستقبلي.
هكذا ساهم اليمن الجنوبي في إغلاق باب المندب على الملاحة البحرية الإسرائيلية عام 1973 وهكذا فعل اليمن بعد نصف قرن بالتمام، فقد أعلنت القوات اليمنية في 14 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي أنها ستحتجز أيّ سفينة إسرائيلية تعبر باب المندب. وبينما كان البعض يهزأ من إعلان القوات اليمنية ويعتبره مجرد حرب نفسية، قامت القوات اليمنية بتنفيذ قرارها وسيطرت على سفينة مملوكة من إسرائيلي – Galaxy Leader – واقتادتها إلى أحد الموانئ اليمنية في التاسع عشر من نوفمبر. كما قامت في الثالث من ديسمبر باستهدافٍ لسفينتينِ إسرائيليتينِ في بابِ المندب وهما سفينة “Unity Explorer” وسفينة “Number Nine”، حيثُ تم استهداف السفينةِ الأولى بصاروخٍ بحريٍ والسفينةِ الثانيةِ بطائرةٍ مُسيّرة. وفي التاسع من ديسمبر طورت القوات اليمنية تهديدها فأعلنت عن منعِ مرورِ السُّفُنِ المتجهةِ إلى الكيانِ الصهيونيِّ من أيِّ جنسيةٍ كانتْ إذا لم يدخلْ لقطاعٍ غزةَ حاجتُهُ من الغذاءِ والدواء، وكالعادة أرفقت القول بالفعل فلم يمضِ ثلاث أيامٍ إلا وقامت القواتُ المسلحةُ اليمنيةُ بعمليةٍ عسكريةٍ نوعيةٍ ضدَّ السفينةِ “Strinda” التابعةِ للنرويج، كانت محملةً بالنفط ومتجهةً إلى الكيانِ الإسرائيلي وقد تمَّ استهدافُها بصاروخٍ بحريٍّ بعدَ رفضِ طاقمِها كافةَ النداءاتِ التحذيرية. وبذلك تكون القوات اليمنية قد حرّمت الملاحة البحرية عبر باب المندب على السفن الإسرائيلية او تلك المتوجهة الى الموانئ “الإسرائيلية” ما دامت غزة محاصرةً وتتعرّض للعدوان.
{ عن وديع حداد وأنصار الله
وديع حدّاد هو أحد مؤسسي الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين مع رفيق السلاح والدراسة جورج حبش وآخرين. عُرِف عن وديع حدّاد أنه العقل المدبر لعمليات خطف الطائرات التي نشطت بين أواخر الستينات وأواخر السبعينات مستهدفةً الإسرائيليين في أنحاء العالم، كما نسج علاقات مع منظمات أجنبية يسارية ومناضلين أمميين أشرَكَهم في عملياته ضد مصالح إسرائيلية حول العالم. كان عقلاً لامعاً أرَّق الصهاينة وأَوْجعهم في داخل فلسطين وخارجها لعقد ونيِّفٍ من الزمن.
والآن نجد أنصار الله، كما كان شعار وديع حداد “وراء العدو في كلّ مكان”، ترسل مُسيَّراتها وصواريخها لضرب الصهاينة في داخل فلسطين ابتداءً من الواحد والثلاثين من أكتوبر كما ترسل مُسيراتها لتضرب سفينة إسرائيلية – Kalandra – تبحر في المحيط الهندي في الخامس والعشرين من نوفمبر! وبذلك تكون أنصار الله قد جعلت أيّ تواجدٍ صهيوني براً كان أو بحراً تطالُهُ صواريخها أو مُسيراتها هدفاً مشروعاً لها. وهنا لا بدّ من الإشارة إلى أنّ الضربات اليمنية داخل فلسطين المحتلة تتركز في منطقة الجنوب التي نزح اليها سكان مستعمرات غلاف غزة لِيُمسوا كالمستجيرين من رمضاءِ غزة بنارِ اليمن.
أصبح جلياً الآن السبب الرئيسي لخوض حربٍ مدمّرةٍ على اليمن منذ العام 2015. يومها كان قد اكتمل مثلث اليمن الذهبي، شعبٌ أبيٌّ لا يخشى المواجهة، قدرات تفي لحجم المعركة، وقيادة تملك الجرأة والحكمة. إذن لا بدّ من كسر أحد الأضلاع. الا أنّ أحلام محور العدوان على اليمن تكسّرت ليرسم اليمن معادلة القوة ضدّ الصهاينة، هذه المعادلة وانْ استخدمت اليوم للمساهمة في وقف العدوان على غزة فإنّ العالم يعي انها أصبحت رصيداً متجدداً يمكن صرفه في ظروفٍ مختلفةٍ.
عودٌ على بدء، أنصار الله، بين ذكريات 1973 واستحضار روح وديع حداد، تجعل البحر ميدان قتالها الرئيسي ضدّ الصهاينة وتصدح بصوتها عالياً في وجه الغرب “إنّ المنظمة البحرية الدولية – بقوانينها حول سلامة الملاحة الدولية – وكافة المنظمات الدولية لا تساوي شِراك نعلٍ إلا أن يُقام لفلسطين حقٌ أو يُدفَع عنها عدوان!”