المؤرخ والباحث في علم الآثار الدكتور محمود السيد «تل القرامل» أقدم قرية أثرية في العالم تحتضنها سورية
تؤكد الدلائل الأثرية العلمية أن أقدم قرية أثرية في العالم مبنية من الحجر تحتضنها سورية وهي تل القرامل الأثرية، بحسب المؤرخ والباحث في علم الآثار في المديرية العامة للآثار والمتاحف الدكتور محمود السيد.
وأوضح السيد خلال ندوة في المركز الثقافي العربي في أبو رمانة أن أول معرفة واستخدام للملاكيت والنحاس في العالم تم في موقع تل القرامل، مبيناً أن كمية القطع الأثرية المكتشفة فيه تجعله من أهم مواقع العصر الحجري الحديث المبكر في العالم.
وأشار السيد إلى أن القرية الأثرية تقع على الضفة الغربية لوادي نهر قويق على بعد 25 كم شمال حلب وتتربع فوق تل من الحجر الجيري بيضاوي الشكل تبلغ أبعاده 190 متراً طولاً و160 متراً عرضاً بعلو 18.7 متراً، مؤكداً أن موقع القرية استراتيجي تجاري يربط بين جنوب بلاد الشام والأناضول. وهذا الطريق هو نفس طريق الحرير وقطار الشرق السريع الذي يربط مصر والشرق الأوسط والأناضول وآسيا الوسطى ما يؤكد ازدهار القرية في عصور ما قبل التاريخ تجارياً إلى جانب وقوعها في وادي نهر زراعي خصب جداً.
ولفت السيد إلى أن حملات التنقيب بدأت منذ العام 1999، حيث وثقت النتائج أن الموقع استوطنه البشر دون انقطاع من العصر الحجريّ الحديث المبكر وحتى العصر الحجري الحديث ما قبل الفخار أي من 10700 إلى 9400 قبل الميلاد كما عثر على سويات أثرية تؤرخ عصر البرونز القديم المبكر وعصر الحديد والعصر الهلينستي، وبينت نتائج تحليل 57 عينة من الموقع بالكربون المشع أن الاستيطان البشريّ بدأ في تل القرامل الأثري خلال الفترة من 14000 ولغاية 12000 قبل الميلاد.
وأوضح السيد أن التجمع السكني يغطي حوالي 3.5 هكتارات وتم التنقيب فقط في 1.5 بالمئة منه ما يؤكد أهمية الموقع في رفد كتب التاريخ والآثار والعلوم الأخرى بمعلومات جديدة تسهم في تعديل وتصحيح بعض ما تمّ نشره سابقاً.
وأشار السيد إلى أن نتائج التنقيبات الأثرية تدل على أن القرية أصبحت في الفترة ما بين 10700 و10000 قبل الميلاد تضم عدداً من المنازل الدائرية الكبيرة والتي كان بعضها مبنياً تحت الأرض، وفي الفترة الواقعة بين 10000 و9300 قبل الميلاد ازدهرت القرية وبني فيها بشكل ملحوظ العديد من الهياكل المعمارية ذات الوظائف المختلفة سكن، طقوس دينية، مواقد، حفر تخزين، صوامع.
ولفت السيد إلى أن نتائج التنقيبات تدل على أن تل القرامل الأثري أسسه الصياديون وجامعو الثمار. وهي بالتالي تقدم أقدم دليل في العالم على عدم اشتراط قيام الاستيطان البشري في موقع ما بممارسة النشاط الزراعي وتربية الحيوان وتوثق نتائج التنقيبات أيضاً أن القمح البرّي كان الغذاء الرئيسيّ لسكان القرية.
وأوضح السيد أنه تمّ العثور في الموقع على كميات كبيرة من الأدوات الصوانية والحجرية ما تجعل من تل القرامل أهم مواقع العصر الحجري الحديث المبكر في العالم، مؤكداً اكتشاف أقدم أبراج دائرية في العالم ومنها انتقلت إلى سائر أنحاء العالم.
وكذلك دلت التنقيبات الأثرية بحسب السيد على تطور الفن في سورية في عصور مبكرة جداً، حيث ظهرت الزخارف والأنماط المنقوشة والرموز التجريدية وتم اكتشاف أكثر من 400 قطعة وآنية حجرية وعظمية تحتوي على زخارف ونقوش لرموز تجريدية. وهذا عدد كبير جداً إذا ما قورن مع ما تمّ العثور عليه في مواقع أثرية أخرى في العالم ما يؤكد أن سورية هي مهد الفن في العالم.
وأوضح السيد أن أصل رسم الرموز الدلاليّة للذكورة والمستخدمة في كثير من العلوم كالطب يعود إلى سورية، وبالتحديد إلى تل القرامل ولا يعود إلى الحقبة الإغريقية أو الرومانية، كما هو منشور في الكتب ووسائل الإعلام وانتشر من سورية إلى العالم حيث عثر على نحت يصوّر عيون إنسان.
كما بيّن السيد أن نتائج التنقيبات في تل القرامل تصحح ما تم نشره سابقاً من اعتبار أن المصريين القدماء هم أول من عرف واستخدم الملاكيت قبل حوالي 4000 عام قبل الميلاد في الفن وتلوين اللوحات لكن موقع تل القرامل أثبت بالدليل العلمي الأثري الدامغ أن سكان تل القرامل عرفوا واستخدموا الملاكيت قبل الفراعنة المصريين بأكثر من 7000 عام وأن سكان تل القرامل، وفقاً للمعطيات الأثرية الحالية أول من استخدم معدن النحاس في العالم.