لِمن لم يستوعبوا بعد أننا في زمن الانتصارات…
} أحمد بهجة
لم يستوعب كثيرون بعد أنّ هناك زمناً ولّى ولن يعود، وأنّ الزمن الجديد مُغاير تماماً لما مضى. قالها سماحة السيد حسن نصرالله قبل نحو ربع قرن: «ولّى زمن الهزائم وجاء زمن الانتصارات»، لكن قليلي الإيمان بالله والوطن وبشرفاء هذا الوطن اعتقدوا أنها لحظات عابرة لن يكون لها تأثير على مجريات الأحداث في المستقبل.
اليوم حين نسمع آراء البعض وطريقة مقاربتهم للأحداث الجارية في المنطقة، وطروحاتهم بشأن المعادلات الجديدة التي ستنشأ بعد الحرب في فلسطين ولبنان، يتأكد لنا أنّ أصحاب هذه الآراء يعيشون على الهامش ويتأثرون بما يُسمّى «البروباغندا»، وبالتالي لا يريدون الخروج من ثوب الهزائم وارتداء عباءات النصر، وهي عباءات كبيرة وفضفاضة تتسع للجميع ولا تريد استثناء أحد، لكن مع الأسف هناك من يريدون استثناء أنفسهم من هذا العزّ…
ها هي الوقائع تثبت الحقائق، وها هم عمالقة غزة… شعباً ومقاتلين يُسطّرون أروع البطولات رغم كلّ هذا الألم الذي لا سابق له في التاريخ، وها هي المُسيّرات والمعارك البطولية على جبهة الجنوب اللبناني، مروراً بالعمليات النوعية على القواعد الأميركية في سورية والعراق، وصولاً إلى اليمن السعيد ومَسيراته الجماهيرية ومُسيّراته الانقضاضية وبحره الأحمر (وهو بحر اليمن بكلّ معنى الكلمة)، ها هو منخرط بالكامل في الحرب بجيشه وشعبه ومقاوميه لنصرة الأشقاء في غزة وفلسطين…
كلّ هذا يؤكد بما لا يقبل أيّ شكّ، بأنّ زمن الانتصارات متواصل، وأصحابه يتوثبون لتحقيق المزيد من الإنجازات، فيما أصحاب المخيّلات الانهزامية ما زالوا يصدّقون سيناريوات يحاول ترويجها الإعلام الصهيوني ومعه مَن معه من جيوش الكترونية (حقيقية أحياناً ووهمية في غالب الأحيان)، مرةً يتحدثون عن سيناريو عنوانه «غزة ما بعد حماس»، ومرةً أخرى يأتون بسيناريو عنوانه «إخراج مقاتلي حزب الله من جنوبي الليطاني»، ثمّ فبركات أخرى بشأن اليمن والعراق وسورية وإيران… وهذا كله في الأحلام، والأصحّ أضغاث أحلام لن يتحقق منها أيّ شيء على أرض الواقع، وربما تتحوّل هذه الأحلام عند أصحابها إلى كوابيس تجعلهم يستفيقون منها خائفين ومذعورين، لكنهم سوف يدركون كم كانوا على خطأ وكم هو حجم الوهم الذي تحكّم بعقولهم.
كيف يمكن لأشخاص يُفترض أنهم عاقلون، أن يصدّقوا مقولات كهذه فيما هم يرون بعيونهم ويسمعون بآذانهم ويلمسون بأيديهم أنّ الواقع يقول شيئاً آخر؟ كيف يمكن الحديث عن «غزة ما بعد حماس» في وقت يحقق أبطالها الإنجاز تلو الإنجاز في مواجهة جيش العدو المهزوم الذي وصل به الرعب في الميدان إلى حدّ أنّ جنوده يقتلون بعضهم بعضاً…؟
كذلك، كيف يمكن الحديث عن سيناريو «إبعاد مقاتلي حزب الله من جنوب الليطاني»؟ بينما يتجذّر هؤلاء المقاتلون في أرضهم بأقدام ثابتة وعزائم لا تلين أبداً، ويقدّمون التضحيات ويرتقي منهم الشهداء دفاعاً عن الأرض والعرض والوطن، فيما نجد أنّ الذين ابتعدوا فعلاً هم المستوطنون الصهاينة الذين أخلوا أكثر من سبعين مستوطنة في منطقة الجليل المتاخمة للأراضي اللبنانية، كما نزحت أعداد كبيرة منهم من مستوطنات أخرى قريبة من المنطقة الحدودية، هذا يحصل اليوم، أما في السابق فقد حاول العدو تنفيذ السيناريو نفسه بالقوة عام 2006، والكلّ يعرف ماذا جرى في تلك الحرب وحجم الهزيمة الاستراتيجية التي تلقاها جيش العدو الذي لم يستطع التقدّم متراً واحداً في المعارك البرية وعاد خائباً ذليلاً…
وإذا كان العدو عجز عن تحقيق هذا السيناريو بالحرب فهل يتخيّل أحد أنه قادر على تحقيقه في الإعلام…؟
نحن إذن في زمن الانتصارات، ولا رجعة إلى الوراء أبداً، وعلى مَن لم يستوعبوا ذلك بعد أن يهدأوا قليلاً، وأن يبتعدوا عن مؤثرات التضليل والتعمية، وأن يقرأوا وينظروا إلى الواقع بعقول باردة لا بأعصاب مهتزة ومرتجفة…