هل ستنجح واشنطن بمواجهة تحدي البحر الأحمر؟
ناصر قنديل
– لا تستطيع الإدارة الأميركية التعامل مع التحدي الناشئ في البحر الأحمر، بصفته مجرد جزء من التداعيات الناتجة عن حرب غزة، لأن هذا التحدي يشكل إصابة بالغة تستهدف مفهوم الردع الأميركي الاستراتيجي، وليس للردع الذي أرادته واشنطن لمواكبة العدوان على غزة عندما جلبت حاملات الطائرات والمدمّرات وأطلقت التهديدات لمنع توسيع جبهات مساندة لغزة في المنطقة. وكان المقصود الرئيسي حزب الله وجبهة لبنان. وجاء الرد على التهديدات بالتصعيد من جهة، وباستهداف القواعد الأميركية في العراق وسورية من جهة موازية.
– في الاستراتيجيات العسكرية الأميركية على مدى عقود، حيث الأساطيل وحاملات الطائرات تمثل العمود الفقريّ، شكل البحر الأحمر محوراً رئيسياً للاهتمام الأمني الاستراتيجي الأميركي. فعند البحر الأحمر تتقاطع ثلاث أولويّات أميركيّة، أمن الملاحة الدوليّة حيث تعبر في البحر 34% من التجارة عبر العالم، وأمن تدفق الطاقة حيث تعبر من البحر الأحمر ناقلات النفط والغاز الآتية من دول الخليج والمتّجهة عموماً إلى أوروبا، التي لم يعُد لديها مورد نفطيّ آخر تقريباً بتوقف سلاسل التوريد الروسية للغاز والنفط، وأمن «إسرائيل»، حيث ينتهي البحر الأحمر عند خليج العقبة وميناء إيلات، ويمثل ممراً بحرياً مفتوحاً ينتهي بميناء هام بالنسبة لكيان الاحتلال.
– ما فعله أنصارُ الله تدريجياً هو الدخول كشريك ندّ لمزاعم الهيمنة الأميركية على أمن البحر الأحمر، وامتلاك تحالف مع أبرز الدول الكبرى في المنطقة التي تمتلك سواحل على البحر الأحمر، مثل مصر والسعودية، والقول بصوت مرتفع إنه ما دام العدوان على غزة مستمراً وأهلها تحت الحصار فإن البضائع المتّجهة نحو موانئ الكيان لن تمرّ من البحر الأحمر، سواء على متن سفن إسرائيلية او سواها، وأن على الأميركيّ الحريص على أمن الملاحة وأمن تدفق الطاقة عبر البحر الأحمر أن يمنع تفاقم الأمور وتصاعدها نحو المزيد من التقييدات بإلزام «اسرائيل» بوقف العدوان على غزة وفكّ الحصار عنها.
– الأميركي هنا عالق بين اثنين، الردّ على ما فعله أنصار الله عسكرياً باستهداف مواقعهم في اليمن، ما سيتحوّل الى حرب جديدة، لن يجد الأميركي حلفاء جدداً لخوضها غير الحلفاء الذين كانوا شركاء ثماني سنوات من الحرب على اليمن دون جدوى، لكن الحرب بذاتها سوف تتكفل بإشعال البحر الأحمر ووقف الملاحة فيه كلياً، من جهة، وتعريض القواعد الأميركية والمصالح النفطية لحلفاء واشنطن في حملتهم العسكرية ضد اليمن، لاستهداف سبق واختبره الأميركيّون وحلفاؤهم، اما الخيار الثاني فهو السعي بهدوء للتأقلم مع التحدّي، بانتظار أن تنجح المساعي لوقف الحرب وتراجع أنصار الله عن خطواتهم، لأن الأهداف قد تحققت، وفي الوقت الذي يفصلنا عن هذه اللحظة، لا مانع من بيانات عن تشكيل قوة دوليّة إقليميّة، واستعراض الحاملات والمدمرات.
– الوقت لا يقاتل ضد الإسرائيليين وحدَهم في غرب غزة، بل ضد الأميركيين أيضاً.