مأزق نتنياهو…!
} نمر أبي ديب
بات واضحاً للجميع حجم المأزق السياسي الذي يمرّ به رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو ومعه كيان الاحتلال الذي يعيش اليوم أمراً واقعاً عسكرياً، يريد من خلاله نتنياهو فتح كوة في جدار الأفق المظلم المحيط بمستقبله السياسي، والشروع في صياغة مسار تفاؤلي يضمن في حده الأدنى خروجاً آمناً واستثنائياً من متاهة حرب غزة، التي فرضت على الساحة الفلسطينية متغيّرات جوهرية وجودية، أصابت بشكل مباشر «فكرة بقاء إسرائيل» كـ دولة تابعة استراتيجياً للمعسكر الغربي الذي بلغ بحكم المتغيّرات السياسية والعسكرية، مراحل متقدّمة من الاستنفار السياسي/ العسكري، واستقدام الأساطيل الغير قادرة بموازين القوى الحالية على إحداث فارق استراتيجي على أكثر من المستوى أمني وعسكري في «معركة الوجود الأولى»، انطلاقاً من (عملية طوفان الأقصى، حرب غزة، المستجدّ البحري اليمني، إضافة إلى تعاظم الحضور العسكري على الجبهة العراقية كما السورية الجزء المتعلق بمواجهة الاحتلال الأميركي»، يضاف إليها التكلفة البشرية من جهة وأيضاً الاقتصادية التي عجز المعسكر الغربي عن دفع أكلافها الباهظة في زمن الحروب الخاسرة، التي أفقدت الولايات المتحدة الأميركية كما «المعسكر المنضوي تحت رايتها» إمكانية الحسم العسكري في جبهات المواجهة المعلنة، إقليمية كانت او حتى دولية.
ما يجري اليوم في الساحة الفلسطينية، دليل عجز أميركي «إسرائيلي» مشترك، ومحطة مفصلية في أساس وجوهر الصراع العربي الاسرائيلي من جهة، وأيضاً في بنية الصراع العالمي، الذي تتقدّمه اليوم ثلاثية: روسيا الاتحادية، الصين الشعبية والولايات المتحدة الأميركية.
ما يجري اليوم على الساحة الفلسطينية يتضمّن صياغة جديدة لمراحل مقبلة، لا تملك فيها أميركا كما «إسرائيل» امتيازات ميدانية مانحة على أكثر من مستوى إمكانية الحسم وفرض الأجندات العسكرية في دول المنطقة، خارج إطار الثقل الدموي، والارهاب التدميري.
قد يكون التلميح الذي أثاره الرئيس الأميركي جو بايدن في 11 كانون الأول 2023 مقدمة سياسية ذات طابع إعلاني لعاملين: تظهير الخلاف والاختلاف الأميركي/ الإسرائيلي على تفاصيل لم تكن لتحسب أميركياً على «إسرائيل» لو تضمّنت قدرات الجيش الاسرائيلي إمكانيات الحسم الميداني في حرب غزة، وهذا تأكيد إضافي على الشراكة الأميركية/ الإسرائيلية، وأيضاً على المسؤولية المباشرة التي تترتب من خلالها مفاعيل وتبعات «حرب غزة».
ثانياً ما تقدَّم محاولة غير مكتملة، الهدف منها غسل اليد الأميركية من مغبة الفعل الاسرائيلي، أيّ (ما يحدث في قطاع غزة)، بالتالي ما تقدَّم هو عامل إضافي يُحسب على الجانب الأميركي ويسجَّل تحت عنوان الإدانة والتأخير الملتبس، الذي يضع «أميركا جو بايدن» في خانة البحث الدائم عن بدائل تتيح للولايات المتحدة الأميركية بعد الفشل الاسرائيلي المتدرّج، فرصة التنصُّل السياسي من أحداث غزة، وعدم دفع تكاليف السقوط الحتمي للكيان في حرب الوجود الأولى.
تلحظ التحوّلات الاستراتيجية التي فرضتها حرب غزة، إضافة إلى عملية «طوفان الأقصى» إصابات مباشرة في أساس الفكرة التي قامت عليها ولا تزال «إسرائيل» الكيان والدولة التي فقدت مع تطورات «حرب غزة»، متمّمات الولادة الجغرافية لـ «إسرائيل الكبرى»، الدولة التي فشل مهندسوها الحاليون كما السابقون وفي مقدمتهم المكون الأميركي، من إتمام الحدّ الأدنى الذي يتضمّن في هذه المرحلة عودة بكيان الاحتلال إلى مرحلة ما قبل طوفان الأقصى… إلى مراحل ما قبل «حرب غزة» دون تشوّهات وجودية أيضاً جغرافية تُثبَّت من خلالها مساحات النفوذ السياسي كما العسكري لـ «إسرائيل» الكيان النابض بحتمية التفكك، ويقين الزوال.
ما بين نصيحة وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن، التي تضمّنت (على إسرائيل حماية المدنيين في غزة لمنع استبدال النصر التكتيكي بهزيمة استراتيجية)، وكلمات الرئيس الأميركي جو بايدن (بنيامين نتنياهو في موقف صعب) مسار من الخيبة العسكرية والتسليم بأمر واقع ميداني سقطت على محاوره الأساسية نظرية الخلاص، التي وجد فيها بنيامين نتنياهو فرصة لتحقيق الخروج الآمن من أزماته الداخلية، وهذا يضعنا حكماً أمام نظرية الحروب المستمرة، انطلاقاً من حقائق وجودية يعيشها بنيامين نتنياهو أبرزها: خاسر خاسر.
السؤال اليوم في ظلّ معادلة «خاسر خاسر نتنياهو»، من يستطيع… أو من يملك إمكانية إيقاف الحرب؟ وأي تركة ثقيلة يمكن أن يورث بنيامين نتنياهو للمراحل القادمة حزب الليكود، و»إسرائيل» أيضاً؟
ما بين عملية «طوفان الأقصى» وتقاطعات «حرب غزة»، اعترافات أميركية بالجملة، وتحوّلات عسكرية/ أمنية غير إيجابية تنتظر نتائجها السلبية ألوية وجنود الجيش الاسرائيلي، الذي بات يدرك، وبشكل واضح أنّ الجغرافيا الفلسطينية مساحة «رمال متحركة» التوغل العسكري فيها لن يكون أبداً في مصلحته…