بايدن والسياسة المترنّحة على حبال الانتخابات
} أحمد عويدات
لا يُخفى على أحد أنّ ما صرح به الرئيس الأميركي جو بايدن مؤخراً يعكس حالة جدلية وفوضى سياسية يعيشها البيت الأبيض وذلك محاولة منه اللعب على خطين غير متوازيين أولهما دعم «إسرائيل» المطلق سياسياً وعسكرياً ودبلوماسياً وإطلاق يد العسكرتارية الإسرائيلية لمواصلة حرب الإبادة الجماعية ضدّ الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، والعتب الخجول على أعضاء الحكومة المتطرفين والمستوطنين لتعمّد مواصلة اجتياحهم للبلدات والمدن والمخيمات الفلسطينية في الضفة الغربية. والخط الآخر هو التركيز على الناخب الأميركي للحصول على صوته وبالتالي إحراز التقدّم المطلوب على المنافس الجمهوري وبالنهاية الفوز بولاية رئاسية ثانية.
بيد أنّ المعضلة تكمن في كيفية تمكّن الرئيس بايدن من التوفيق بين هذين الخطين، وانتهاج سياسة وسط توفق بين سياستين متناقضتين في المواقف والنتائج؛ لأنّ استمرار بايدن بالمضيّ قدماً بالخط الأول الداعم لـ «إسرائيل» يعني في المقام الأول خسارة أصوات المناوئين والمعارضين لحرب قادة «إسرائيل» على قطاع غزة بحجة القضاء على حماس أولاً، وإحلال سلطة بديلة لها تضمن أمن مستوطناتها ثانياً، وثالثاً تحرير الرهائن. هذه الأصوات التي صدحت عالياً في المظاهرات الضخمة التي شهدتها الولايات والمدن الأميركية مطالبة بوقف الحرب والدعم اللوجستي والسياسي للاحتلال والمضيّ بحلّ الدولتين.
والجدير بالذكر أنّ نسبة المناهضين للإدارة الأميركية الداعمة للحرب الإسرائيلية في تزايد مستمرّ، إذ تشير استطلاعات الرأي التي أجريت في 5 ولايات بخسارة بايدن أكثر من 10 نقاط بعدما كانت خسارته 6 نقاط في بداية الحرب. وفي استطلاع أجرته رويترز/ ابسوس أظهر تدني شعبية بايدن إلى أدنى مستوياتها هذا الشهر مما يضعه أمام تحديات جسام وخاصة أمام «حملة التخلي عن بايدن» التي أطلقها معارضو سياسته في دعم «إسرائيل» وحربها ضدّ الفلسطينيين. وهذا بدوره يعني أنّ هناك فجوة كبيرة في الحصول على تأييد هؤلاء الذين جلهم من المهاجرين العرب والمسلمين والأميركيين اللاتينيين والفئات الأخرى التي تعاني من إدارة بايدن الاقتصادية.
بحسب بايدن فإنّ استمرار سياسة نتنياهو القائمة على قتل المزيد من الضحايا المدنيين من شإنه أن يمسّ بالمكانة الأخلاقية للولايات المتحدة الأميركية؛ وكأنّ هذه المكانة لم تمسّ بعد من جراء تبرير المجازر التي ارتكبها الاحتلال سواء بالضفة او قطاع غزة مثلما كان التبرير لمجزرة المعمداني وجنين والشفاء والفاخورة وجباليا وغيرها من المجازر التي أدانها العالم برمته؛ الأمر الذي ظهر جلياً من خلال المظاهرات الصاخبة الداعية لوقف العدوان والإبادة الجماعية ومحاسبة القتلة وداعميهم. إن في دعوة الرئيس بايدن لنتنياهو بضرورة تغيير حكومته، فإنها تنطوي على خشية الديمقراطيين من تفاقم أعداد الضحايا من المدنيين الفلسطينيين على يد المتطرفين المتديّنين أمثال بن غفير وسموتريتش. كما ترمي هذه الدعوة إلى إظهار حرص إدارة بايدن على الظهور بمظهر المعتدل المراعي للقانون الدولي الإنساني أمام الرأي العام العالمي والمحلي من خلال إبراز تأييده لـ «حلّ الدولتين» الذي يراه «ليس ممكناً فحسب بل ضروري» كما عبّر عن ذلك السيد كيربي منسق الاتصالات في البيت الأبيض، كذلك تعبّر الدعوة عن رفض بايدن لسياسة نتنياهو القائمة على نسف فرص أيّ حلّ سياسي حتى «لا يكرر السوء الذي حدث في أوسلو» على حدّ تعبير هذا الأخير.
إن عزف بايدن على وتر السلطة جاء رداً على ما ورد على لسان نتنياهو عندما ذهب بعيداً في تهديده بفتح «حرب على قوات السلطة» على أرض الضفة واصفاً إياها بحليفة حماس .
كما يهدف الرئيس بايدن من خلال تصريحاته الأخيرة إلى تهدئة نقمة التيار التقدمي او اليساري في الكونغرس ولمواجهة غضب الأميركيين المتقاعد بينما تستمر خطط إدارة بايدن في تقديم الإمدادات العسكرية واللوجستية بلا توقف وبلا خطوط حمراء على رأي المتحدث الأميركي لوكالة CNN.
على اية حال، تبقى تصريحات بايدن هذه حديث اللحظة لكافة المحللين والمراقبين للمواقف الأميركية. فهل نقرأ فيها تغييراً جوهرياً أم أنها نوع من الترنح فوق حبال الانتخابات الأميركية المقبلة للخروج من مأزق اللاتوازن بين الدعم المقدم لـ «إسرائيل» والدعم المطلوب من أصوات مؤيديها وأصوات الناخبين المناوئين لها؟!
وهل جاء مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سولفان إلى المنطقة لإعادة رصف التوازن السياسي بين خطي سياسة بايدن، أم لتقديم آليات جديدة للسلطة الفلسطينية وقادة «إسرائيل» للتعامل مع الواقع الجديد الذي فرضته المقاومة ونتائج الحرب!؟