لا يملكون شجاعة الأسد… لذلك يخافونه
ناصر قنديل
– ليس من رئيس أو ملك أو أمير في بلاد العرب يستطيع القول إن بلده يتعرّض لمؤامرة تقسيم ويواجه تحديات احتلال أجنبيّ، بينما يستطيع الرئيس السوريّ بشار الأسد أن يقول ذلك. وما من رئيس أو ملك أو أمير في بلاد العرب يستطيع القول إن نظامه ومنصبه أمام مشروع دوليّ إقليميّ لإسقاط النظام والقيادة واستهدافهما، بينما يستطيع الرئيس السوريّ أن يقول ذلك. وما من بلد أو مجتمع بين بلاد العرب ومجتمعاتها نزف دماً مثل سورية، ويعاني في تأمين سبل الحياة مثل سورية، ويعيش تحت حصار تقوده واشنطن يمنع عن سورية الغذاء والدواء فيما تقوم قوات الاحتلال الأميركيّ بسرقة غازها ونفطها، والخوف من أميركا وما تستطيعه من تعريض البلاد العربيّة للمخاطر وتعريض حكوماتها لمواجهة المؤامرات، وتعريض شعوبها للمعاناة هي ذرائع نسمعها لامتناع الحكومات العربية عن اتخاذ موقف سياسي واضح، يُنصف المقاومة في فلسطين، إن لم يكن قادراً على تقديم أكثر من ذلك، ورغم كل ذلك لا يفعل أي حاكم عربيّ. ووحده الرئيس السوري بشار الأسد، حيث هذه الفرضيات وقائع وحقائق ممتدة على سنوات ومستمرة، ويملك حق اتخاذها أعذاراً، لكنه يتجرأ على قول كلمة الحق بلا مناورة ومداورة.
– رغم كل الحديث عن ذرائع حكومات عربيّة تتهرّب من قول كلمة، ولو كلمة إنصاف لفلسطين وغزة والمقاومة. كمثل الحديث عن خلاف مع حركة حماس، واتخاذ خلفيتها الإخوانية سبباً لتبرير هذه الخلافات، وبالتالي تبرير التهرّب من قول كلمة لنصرة فلسطين وغزة والمقاومة. فإن كل هذه الحكومات العربيّة مجتمعة لم تتعرّض لنسبة بسيطة من اختبار الأذى الذي لحق بسورية ونظامها ورئيسها، من استخدام عنوان حماس لتخديم الحرب على سورية لحساب الأجندة الأميركيّة برعاية تركيّة قطريّة، لكن سورية وحدها تجاوزت هذه الذاكرة المؤلمة واستعادت حرارة العلاقة بحركة حماس على خلفيّة كون هويّتها الأصليّة هي أنها حركة مقاومة، تدافع عن فلسطين، وطوت مع حماس تلك الصفحة لاستئناف التعاون على أعلى المستويات، لأن فلسطين تستحقّ ذلك والمقاومة توجب ذلك.
– فيما لا نسمع صوتاً عربياً رسمياً مشرّفاً الى جانب المقاومة وفلسطين، باستثناء حكومة صنعاء المقاومة، التي انتقلت من القول إلى الفعل، وفعلت ما سلب العقول والألباب، وأصاب الصديق والعدو بالذهول. وإذا اعتبرنا المواقف المبدئيّة لحكومات العراق والجزائر وتونس كسراً لجدار الصمت العربي الرسميّ، فإن سورية الجريحة والمحاصرة والموجوعة والمستهدفة، لم تتردّد عن إتاحة جغرافيتها أمام قوى المقاومة لتنفيذ عمليات استهداف القواعد الأميركيّة، وإطلاق صواريخ من الأراضي السوريّة على مواقع الاحتلال في الجولان السوريّ المحتل، وتتحمّل سورية بجيشها ومنشآتها العسكريّة والمدنيّة، نتائج هذه العمليات بردود أميركيّة وغارات إسرائيليّة، لكنها لا تتراجع.
– ما قاله أمس، الرئيس السوري بشار الأسد جدير بأن يُقرأ حرفياً، لأنه التعبير الأوفى عن مفهوم الشجاعة الأدبيّة التي يندر أن يتمتع بمثلها السياسيّون والحكام إلا إن كانوا من طراز رفيع من القادة، يقول الرئيس الأسد إن «مقارنة واحد من أقوى الجيوش في العالم، مع مجموعات من المقاتلين المقاومين الذين لا يتجاوزون بضعة ألوية في هذا الجيش، هو فضيحة بالنسبة للجيش الإسرائيليّ بالمعنى العسكريّ، ليس بالمعنى الأخلاقيّ، «مرّغوا أنفه في التراب» بكل بساطة». وأوضح: «النقطة الأخرى هي التفوّق الفلسطينيّ في نشر الحقيقة ونشر المعلومة، بالرغم من أن حتى الكهرباء والإنترنت والاتصالات ممنوعة عنه، ولكنه قام بعمل إعلامي فعلاً كان مذهلاً لنا جميعاً، مقابل خسارة الرواية الصهيونيّة، وهي التي تتحكّم في الرواية العالميّة، يعني كل أفلام هوليوود على مدى قرن من الزمن وأكثر توجّه العالم كله باتجاه رواية واحدة، وتمكن المقاومون من كسر الهيمنة الصهيونيّة على هذه الرواية، حتى في الساحة الأهم، وهي أميركا». وأضاف: «المقارنة الأهم هي المقارنة الأخلاقيّة، نلاحظ كيف تعامل الصهاينة جيشاً ومستوطنين مع الأسرى الفلسطينيين كباراً وصغاراً، مدنيّين وعسكريين، أطفالاً، شيوخاً، رجالاً، نساءً لا يهم، بشكل وحشيّ، مقابل التعامل الأخلاقيّ للفلسطينيّ مع الأسرى الصهاينة، لدرجة أن هذا التعامل أرعب المؤسسات الإسرائيليّة التي حاولت بشتى الطرق أن تعتّم على ردود أفعال الأسرى الصهاينة، ولكنها لم تتمكن. وهذه المقارنة هي ليست مقارنة صعبة بل مستحيلة، وهي التي تثبت بأن الطرف الأول، الصهيونيّ هو ليس شعباً، أو شعباً وهمياً وكاذباً ومزيفاً، والطرف الآخر هو الطرف الأصيل الحقيقيّ. وهذا الانتصار هو انتصار حضاريّ». وشدّد الرئيس السوريّ على أن «المقاومة اليوم تدافع عن كل الدول العربية، وأن حرب فلسطين أثبتت بالمحصلة والمقاومات، أن التكنولوجيا أهم من السلاح، وأن العقيدة أصلب من قسوة الإرهاب والإجرام، وأن الهجوم أفضل وسيلة للدفاع، وأن ما أُخذ بالقوة لا يُستردّ إلا بالقوة، وأن الانبطاح أمام الأعداء هو ليس خياراً وإنما انتحار».
– من الطبيعي أن يخاف كثير من الحكام العرب من كلمات الرئيس السوريّ، لأن قولها من قبله، رغم كل ما مرّ ويمرّ على سورية وعلى نظامها ورئيسها، يعني أن بمستطاع سواه من الحكام الذين لا يعانون ما يعاني ولا تعيش بلادهم التحديات التي تعيشها سورية، أن يقولوها، وفي حرب الوعي الكلمة سلاح. وشجاعة الرئيس الأسد لقول الحق واستخلاص المعاني وتعميمها وتعميقها في الوعي العربي، تُحرج الذين يخشون من هذا الوعي أن ينتصر، لذلك كان جمال عبد الناصر رؤيوياً عندما قال «إن سورية قلب العروبة النابض».