الحلف البحري الأميركي: أين السعودية ومصر؟
ناصر قنديل
– بعد مضي ساعات على إعلان أنصار الله عن منع السفن «الإسرائيليّة»من عبور مضيق باب المندب، توقّع كثيرون رداً أميركياً فورياً يترجم ما سبق وأعلنت عنه واشنطن مع إرسال حاملات طائراتها الى المنطقة وتوزيعها بين البحر الأبيض المتوسط ومنطقة الخليج وتخصيص البحر الأحمر بعدد من المدمّرات، تولت التصدّي لصواريخ وطائرات مسيرة يمنية استهدفت جنوب فلسطين المحتلة وخصوصاً ميناء إيلات، لكن شيئاً لم يحدث. ثم رفع أنصار الله سقف مداخلاتهم في البحر الأحمر بتحريم السفن المتّجهة إلى موانئ الكيان من العبور، ولم يحدث شيء، وكان كل ما صدر عن واشنطن هو الكلام عن اعتبار ما يجري شأناً دولياً يستدعي تحركاً جماعياً تحت شعار أمن الملاحة الدوليّة.
– بعد اثني عشر يوماً من بدء مسار المنع في البحر الأحمر أعلنت واشنطن عن تشكيل حلف دولي بقيادتها تحت شعار التصدّي لمحاولات عرقلة أمن الملاحة في البحر الأحمر، وفي الحلف عشر دول ليست بينها دولة عربية أو إسلامية واحدة، باستثناء البحرين التي تشكل مقرّ الأسطول الخامس الأميركي، والتي سوف تشكل قاعدة الحلف البحريّ. وهذا يعني امتناع حلفاء واشنطن من الدول العربية والإسلامية عن المشاركة، لأن وجودها حاجة أميركية رئيسية في منح الحلف المشروعية لكون الخصم المطلوب مواجهته يرفع راية نصرة القضيّة الأولى للعرب والمسلمين، وهي قضية فلسطين ومحورها اليوم نصرة غزة، ووقف العدوان عليها وفك الحصار عنها. وليس من تفسير لهذا الإحجام إلا أن السياسة الأميركية المنحازة بصورة فاقعة لم يتحمّلها أقرب حلفاء واشنطن في الغرب، كما قال تصويت مجلس الأمن على مشروع قرار وقف إطلاق النار، حيث صوّتت الدول الأوروبية مع المشروع واكتفت بريطانيا بالامتناع، فكيف سيكون حال دول عربيّة وإسلاميّة، أمام جمهورها وهي تشارك في حلف لمنع طرف عربي إسلامي من فعل ما لا يستطيعون هم فعله وتطلبه منهم شعوبهم؟ وإذا كانوا عاجزين فأضعف الإيمان ألا يمنعوا غيرهم من فعله؟
– من بين الدول العربية والإسلامية، تحتلّ كل من السعودية ومصر مكانة خاصة، إضافة لمكانتهما العربية والإسلامية المميّزة، فهما دولتان على شواطئ البحر الأحمر وتملكان حقوقاً قانونية موازية لتلك التي يملكها اليمن، واللافت أن الحكومة المنافسة لحكومة صنعاء في عدن، لم تعلن المشاركة ومنازعة صنعاء على شرعيّة التدخل في أمن البحر الأحمر، وغياب مصر والسعوديّة أو أي دولة مشاطئة على البحر الأحمر يعني فقدان الحلف الذي تقوده واشنطن التغطية القانونية اللازمة بغياب قرار عن مجلس الأمن بتشكيله، خصوصاً أن الموقف اليمنيّ يأتي تحت عناوين قرار الجمعيّة العامة للأمم المتحدة ذاتها بوقف إطلاق النار وتأمين دخول المواد الحياتية والإنسانية إلى غزة، بعدما عطلت واشنطن صدور قرار عن مجلس الأمن بالمضمون ذاته.
– مأزق واشنطن بعد تشكيل الحلف الفاقد للتغطية القانونيّة والتغطية العربية الإسلامية، هو مأزق واقعيّ أيضاً، لأن الحلف لن يشكّل بالإعلان عنه عنصر ردع لليمن، واليمن مستمرّ بموقفه، وبالتالي فإن الذهاب إلى المواجهة سوف لن يغيّر شيئاً بالنسبة لليمن، ذلك أن هذا الحلف اليوم أضعف مما كان يوم خاض أعضاء الحلف الحرب ضد اليمن على مدى ثماني سنوات، من وراء دول عربية وإسلامية لا تشارك اليوم في الحلف، والأهم أن المواجهة مع اليمن لن تعني سوى تحويل البحر الأحمر إلى بحيرة مشتعلة، ما يعني جعل الملاحة معطلة كلياً فيه، وهذا سوف يتسبّب باختناق عالمي تجاري، ولكنه سوف يسبّب أزمة كبرى في سوق الطاقة وأسعار النفط والغاز، وقدرة أوروبا على تأمين احتياجاتها منهما. وامتناع واشنطن عن خوض المواجهة، سوف يُضعف مهابتها وقدرتها على الردع أكثر، ويصبح التسريع بإنهاء الحرب على غزة طريقاً وحيداً لوقف هذا الاستنزاف المعنوي الخطير، لمكانة دولة عظمى تسعى لتأكيد أن قوتها لم تتراجع رغم كل المتغيرات الجارية من حولها.
– في مرتين متلاحقتين، تسعى واشنطن إلى استخدام جبروتها لإظهار القوة، فتكشف عن الضعف. حدث هذا في التصويت على مشروع قرار لوقف النار في مجلس الأمن فصوّتت وحيدة، وهي تستخدم جبروت الفيتو، لكنها تفضح عزلتها. ومن بعدها في التصويت في الجمعية العامة، حيث لم تجد معها إلا عدداً محدوداً من الدول، اضطرت لرفعه الى العشر بأن تستعين بدول لم يسمع أحد بها من قبل، كمثل ما يظهره تصفح أسماء بعض دول الحلف البحريّ.
– أرادت واشنطن إعادة الصعود والنهوض، فقدّمت الدليل على أنها في أشد حالات الأفول.