العدو الصهيوني ينهار معنوياً…
} د. محمد سيد أحمد
ليست المرة الأولى التي نتحدّث فيها عن الانهيار المعنوي للعدو الصهيوني، فخلال العامين الماضيين تعرض كيان الاحتلال لهزات داخلية عنيفة، جعلت المتابعين والمراقبين والمحللين يرصدون العديد من مظاهر الانهيار المعنويّ للمستوطنين الصهاينة، فقد تزايدت التظاهرات الداخليّة في وجه سياسات حكومة اليمين المتطرّف التي يقودها بنيامين نتنياهو منذ صعوده للحكم مجدداً في نهاية العام الماضي، وتعود حالة الانهيار المعنوي لتنامي الفعل المقاوم داخل الأراضي المحتلة حيث يشعر المستوطنون الصهاينة بحالة من فقدان الأمن والأمان نتيجة للعمليات التي نفّذها الشباب الفلسطيني الذي يعيش في الضفة الغربية والقدس من عرب 1948 والذين يحملون الجنسية الإسرائيلية.
وكان العدو الصهيونيّ يعتقد أنّ هؤلاء الشباب الذين ولدوا وتربّوا وعاشوا داخل الأراضي المحتلة وتعلموا في مدارسها وجامعاتها وعملوا داخل مؤسساتها المختلفة، وتحت الحكم الصهيوني، وفي ظلّ سيطرة القيم والثقافة الصهيونية سوف يكون انتماؤهم لهذا الكيان اللقيط، لكن الحراك المقاوم للشباب الفلسطيني صدم المستوطنين الصهاينة وجعلهم موقنين أن هذا الشباب لن تتزحزح عقيدته وأن أمهاتهم قد أرضعتهن حب الوطن وحتمية الدفاع عنه وتحريره، وأنه لن يكون هناك أمن وأمان واستقرار في هذه الأرض. وأمام هذه الحالة من الانهيار المعنوي قرّر آلاف المستوطنين حمل حقائب سفرهم والعودة إلى البلدان التي كانوا يعيشون بها قبل هجرتهم واحتلالهم أرض فلسطين.
لقد اكتشف المستوطنون الصهاينة حجم المؤامرة التي وقعوا فريسة لها، وزيف الادّعاءات التي خدع بها قادتهم أجدادهم وآباءهم بداية من هيرتزل مروراً بـ بن غوريون وصولاً لنتنياهو، فوهم أرض الميعاد تلك الأرض التي وعد بها الربّ الشعب اليهوديّ المشتّت في أنحاء العالم، والتي يزعمون أنها أرض فلسطين وجوارها الواقع بين النيل والفرات، والتي يسعون إلى تحريرها عبر قنوات متعدّدة بقوة السلاح مرة وبالتفاوض والسلام المزعوم مرة ثانية وبالتطبيع مرة ثالثة وبالإبادة مرة رابعة وهكذا، لكن المشهد الأخير وحالة فقدان الأمن والأمان والاستقرار جعلت المستوطنين الصهاينة يراجعون حساباتهم ويكفرون بأفكار قادتهم ويسعون للخلاص من الجحيم والعودة من حيث أتوا.
ومع عملية طوفان الأقصى وصل الانهيار المعنوي للمستوطنين الصهاينة إلى درجات عالية، فضربات المقاومة كانت موجعة وأثبتت ضعف وهشاشة جيش الاحتلال، وسقطت الأسطورة والأوهام المصطنعة عن قوة العدو الذي لا يُقهر، فلم يعُد قادراً على حماية نفسه من المقاومة الفلسطينيّة البطلة والشجاعة، التي تمكّنت خلال الأيام الأولى من تكبيد جيش العدو الصهيونيّ خسائر هائلة، وعندما بدأ عدوانه على غزة لم يتمكّن من تحقيق أهدافه المعلنة بالقضاء على المقاومة وتهجير سكان غزة لسيناء، واضطر العدو صاغراً بعد الجولة الأولى من العدوان قبول الهدنة بشروط المقاومة من أجل التقاط الأنفاس وتنظيم الصفوف وتبادل الأسرى المدنيين، وعندما عاود العدوان في الجولة الثانية بعد كسر الهدنة تلقى ضربات قاسية من المقاومة جعلت الروح المعنوية لجنوده الذين يحاربون بدون عقيدة تنهار فقاموا بقتل أسراهم في غزة بدلاً من تحريرهم، وهو ما جعل الداخل الصهيونيّ ينهار أكثر فأكثر ويطالب بوقف العدوان على غزة، ورحيل نتنياهو وحكومته، وهناك أصوات تطالب بمحاكمتهم مع قادتهم العسكريين.
ومما يزيد الانهيار المعنويّ للعدو الصهيوني تلك الاشتباكات والعمليّات العسكرية على جبهات محور المقاومة، حيث انضمّت المقاومة اللبنانية منذ اليوم الثاني لعمليّة طوفان الأقصى وهو ما أجبر العدو الصهيوني على بقاء ربع جيشه على الحدود اللبنانية خوفاً من عملياتها الموجعة والتي يعلمها جيداً العدو الصهيوني، حيث اضطر لنقل آلاف المستوطنين الصهاينة للداخل وإخلاء عشرات المستوطنات المتاخمة للحدود اللبنانيّة، وتمكنت المقاومة اللبنانية من تكبيد قوات العدو خسائر كبيرة في الجنود والمعدات العسكريّة، وبالطبع قامت المقاومة العراقيّة بمساهمة فاعلة في عملية الانهيار المعنوي للعدو الصهيوني حيث وجهت عدة ضربات للقواعد العسكريّة الأميركيّة في العراق وسورية جعلت العدو الأميركي يطالب نتنياهو بوقف العملية العسكرية في غزة، وأعلن الرئيس بايدن أنه لم يعُد يدعم نتنياهو لكنه يدعم الشعب اليهودي في الأرض المحتلة، واستكملت المقاومة اليمنية سيمفونية الانهيار المعنوي للعدو الصهيوني عبر استهدافها للأراضي المحتلة حيث وجهت إليها الصواريخ الباليستية والجوّالة والطائرات المسيّرة، وقامت بمنع مرور السفن الإسرائيلية من مضيق باب المندب والبحر الأحمر، واحتجزت السفن الإسرائيلية، وشنّت هجمات على السفن الإسرائيلية بالمسيّرات والصواريخ البحرية، ومنعت أخيراً مرور جميع السفن من جميع الجنسيات المتجهة من الموانئ الإسرائيلية وإليها.
ومع ازدياد الانهيار المعنويّ للمستوطنين الصهاينة سوف يقومون بمزيد من الضغط على نتنياهو وحكومته لوقف العدوان على غزة، وإجباره على الدخول في تسوية سياسيّة بأقصى سرعة، خاصة أنّ العدو الصهيونيّ وجيشه لا يحتمل إطالة أمد الحرب، لأنها حرب غير متكافئة بين جيش نظاميّ ومقاومة مسلّحة تجيد حرب الشوارع وتقوم باستنزاف قوات الاحتلال وتلحق بها خسائر هائلة بشريّة وماديّة هذا بالطبع بخلاف الخسائر المعنوية، وعندما تنتهي العملية العسكرية وتهدأ الأوضاع سوف يتجه آلاف المستوطنين الصهاينة لهجرة عكسية بعيداً عن هذه الأرض غير الآمنة، بعد أن تأكدوا أن المقاومة تمتلك عقيدة تقول إما النصر أو الشهادة، وأنه لا صلح ولا تفاوض ولا اعتراف، وأن ما أخذ بالقوة لن يُستردّ إلا بالقوة، وأنها مصرّة على تحرير كامل فلسطين من البحر إلى النهر، اللهم بلغت اللهم فاشهد…