هل ينقلب السحر على الساحر؟
} وفاء بهاني
بعد أن أعلنها بايدن صراحة على مرأى ومسمع من العالم أنّ «نتنياهو وحكومته ستقف عاجزة في التعامل مع مرحلة ما بعد الحرب»، ووصف تلك الحكومة الدامية والعاجزة أمام أبطال القسام، بكل ما أوتيت من دعم، وتسلحت بأحدث أسلحة الحرب وأكثرها دماراً بأنها الأكثر تشدّداً، فهل ينقلب السحر على الساحر؟ أي هل تسحب أميركا بساط الدعم من تحت أقدام الصهاينة؟
ثمة عدة عوامل متعلقة بموقف «إسرائيل»، والكثير من التساؤلات الجانبية التي تتعلق بالأمر، وأهمّ تلك التساؤلات هل «إسرائيل» قادرة على تحدي أميركا أمام العالم ووضعها في موضع إحراج؟
الانقسام واضح في الساحة السياسية للكيان، بين من يرون أن أميركا لن تقوى على ترك «إسرائيل» في مهبّ الريح، وفي وسط حالة من الخطر الذي لم يسبق وتعرّضت له منذ إعلان إنشاء كيانها الفاشل، وذلك بسبب قوة المقاومة وردّها الضربات والصاع صاعين، وإحراج «إسرائيل» وبيان مدى هشاشتها، ولكنهم يرون أنّ أميركا قادرة على لَيِّ أذرع الكيان، وجعله ينصت إلى أوامرها والانصياع إليها.
أما الفريق الثاني في الساحة فعلى الرغم من كونه أقلية، ولكنه الأقوى تأثيراً وهو اليمين المتطرف، فيرون أنّ الكيان قادر على إحراج الولايات المتحدة وليّ ذراعيها، وهم يتمثلون في جماعة سموتريتش، وقطاعات الليكود، وهذه الفئة المتطرفة هي التي كانت مهمّشة تماماً قبيل حكم نتنياهو ويشكلون الحالة اليمينية التي باتت تتوسع وتتوحش في السيطرة على القرار في الكيان تحت حكم المتطرف «نتنياهو» ولا تستند فقط إلى حجمها الانتخابي، بل إلى قاعدتها من الشباب المتطرف في العديد من الأحزاب السياسية مثل «شاس» و»إسرائيل بيتنا»، وحتى في أحزاب الوسط مثل حزب غانتس.
فزرع رموز الكيان التاريخيين وهم عتاة الصهاينة، الكراهية تجاه العرب وأصحاب الأرض الفلسطينيين في قلوب الأطفال منذ سنوات، باتت هذه الأحزاب تقطف ثمرته اليوم في جيل كامل من الشباب يميل إلى التطرف، وعلى الرغم من أنّ هناك أجيالاً أكبر من جيل الشباب تعادي فكرة التطرف، إلا أنّ الكيان دوماً يميل إلى التطرف والأحزاب المهمّشة التي دوماً تنتقل إلى المركز وتصبح أكثر سيطرة، وهذا اتضح عندما أصبح حزب الليكود القوة الأكبر تأثيراً وتترأس الحكومة.
إنّ مواقف نتنياهو تدلّ إلى مدى تطرفه، فهو بدأ في الحياة السياسية بالانتقال من حزب متطرف إلى حزب أكثر تطرفاً، على الرغم من محاولته المستمرة أمام الرأي العام للكيان أن يبدو وسطياً، لكن نجاح اتحاد سموتريتش وغفير وخوضهما الانتخابات معاً أدّى إلى تكوين أكبر تحالف يميني متطرف في تاريخ هذا الكيان المغتصب.
فقد عارض نتنياهو كلّ الحلول التي قدّمتها أميركا مسبقاً، وذلك لتطرفه اليميني الواضح، بداية من نقض اتفاق أوسلو، وتحويل هذه السلطة الفلسطينية إلى دمية لا سيادة لها، وحتى أنه عارض صفقة ترامب التي عرفت بـ «صفقة القرن»، بالإضافة إلى معارضته لحلّ الدولتين، وأيّ صيغة تسوية تمنح الفلسطينيين أحقية في فرض الحكم ولو حتى على جزء من أراضيهم، بل يرى هو ويمينه المتطرف أنّ أرض فلسطين هي للكيان حتى لو لم تضمّ بعد إلى سيطرته!
إنّ الخلاف الأميركي الإسرائيلي نشب بالفعل، لا يمكن أن يستر ما ظهر إلى العلن، وبعد أن قدمت أميركا كلّ الدعم وبررت مجازر «إسرائيل»، وبالتالي من غير المستبعد أن تستخدم العصا إذا لم تنصَع لأوامرها معتمدة كلّ الاعتماد على الرأي العام الإسرائيلي الذي يرى ضرورة تغيير «ائتلاف نتنياهو» ليس بسبب هذه الحرب الخاسرة التي تعاني منها «إسرائيل»، أو لسبب حلّ الدولتين، ولكن بسبب فشل هذا الائتلاف منذ ما قبل أحداث «7 تشرين الأول/ أكتوبر المجيدة» حتى الآن.
وقد يعارض نتنياهو أميركا هو وائتلافه، وهذا مستمدّ من اعتقادهم بأنّ حاجة أميركا للكيان لا تقلّ عن حاجتهم إليها، ولكن هناك العديد من الأوراق التي تمتلكها أميركا سواء في الداخل أو بسيطرتها الخارجية التي يمكن استخدامها من أجل الضغط على «إسرائيل». فمع اندلاع هذه الصراعات بين الإدارة الأميركية وحكومة الكيان أعربت الكثير من الدول التي كانت تؤيد الكيان من قبل عن استنكارها لهذه المجازر التي تقوم بها الحكومة الصهيونية في حقّ أهل غزة والتي كانت على رأسها ألمانيا وكندا وبريطانيا وأستراليا ونيوزلندا، ومن يدري، فيمكن أن تكون بداية سحب العصا من أميركا؟
غير أنّ الأمر لم يُحسم بعد بشأن استخدام العصا الأميركية ضدّ «إسرائيل»، فيرى البعض أنّ تصريح بايدن ما هو إلا تصريح انتخابي مسبق بسبب اقتراب الانتخابات.
على أية حال، إنّ هذه الصراعات خصوصاً مع تهميش رأي الجيش الإسرائيلي الذي يرى أنّ أميركا طوق النجاة وحزام الأمان، ويرى ضرورة اتباع أوامرها مؤخراً، لا تدلّ على أنّ هذا الائتلاف سينتهي، وأنه سيكمل في خطته وسيبقى صمود المقاومة هو العائق الوحيد أمامه، فمصير الحرب في غزة لم ينته بعد، بل سيطول، وتأثير هذا الصراع بين أميركا ونتنياهو وائتلافه المتطرف سيضيق دائرة الحرب ويحصرها في غزة فقط ويضمن عدم توسعها.