«إسرائيل» بين النزول عن الشجرة أو سقوط الهيكل؟
} خضر رسلان
لا يمكن اقتصار مفاعيل ما جرى في السابع من تشرين الأول 2023 على نتائج وعناوين باتت من المسلمات لدى الكثير من مراكز الدراسات والمحللين السياسيين وسائر الشرائح الاجتماعية التي تحدثت عن تهشيم صورة الكيان الصهيوني بأجهزته المختلفة، لا سيما منها الأمنية والمخابراتية، إنما انسحب ذلك على توجهات أركان الدولة العميقة في الكيان الغاصب الذين وصفوا ما حصل بالخطر الوجودي واضعين سيناريوات تخالف الأدبيات التي تبناها منذ سنوات معظم الساسة الصهاينة من ضرورة الابتعاد عن عشّ الدبابير أيّ قطاع غزة وعدم الاقتراب منه او المرور بجانبه، ولسان حالهم يردّد ما تمناه إسحق رابين وحلم به حين كان يردّد: «ليت غزة تغرق في البحر».
السؤال البديهي الذي يطرح نفسه لماذا قرّرت الحكومة الصهيونية الحرب البرية رغم خوضها حربين مع غزة في عامي 2012 و2014، دون تحقيقها شيئاً من الأهداف المعلنة آنذاك؟ هذا في وقت يرجّح فيه تكرار الفشل والعجز عن تحقيق الأهداف في الحرب الحالية رغم المتوقع من أثمان باهظة جداً سوف تدفع، ومع انّ الكثيرين من الخبراء السياسيين والعسكريين وصفوا قرار الدخول البرّي بأنه أحد أكثر القرارات غباء، إلا أنهم رأوا انّ إقدام نتنياهو على هذه الخطوة، هو أمر بديهي بعدما تمّ اعتبار أحداث 7 تشرين الأول بمثابة خطر وجودي للكيان برمّته، وفي سبيل درئه لا مجال لاحتساب الأثمان والتضحيات مهما بلغت.
بناء على ما تقدّم قرّر نتنياهو الدخول البري إلى غزة رافعاً عناوين منها ما هو معلن ومنها ما هو مضمر؛ ففي حين كان شعار القضاء على حماس وإطلاق سراح الأسرى دون قيد او شرط عناوين فضفاضة دونها الكثير من التعقيدات وتهدف بشكل أساسي الى شدّ العصب الصهيوني المذهول نتيجة لعملية طوفان الأقصى يبدو انّ المضمر من الأهداف الوصول الى الحدّ الأدنى من تحقيق إنجاز ميداني يعيد التوازن أولاً لترميم بعض من صورة الردع الإسرائيلي المتهشم، إضافةً الى حاجة الإدارة الأميركية الى رفع الحرج عنها وهي التي باتت مطالبة بتحقيق إنجاز عسكري يحفظ ماء وجهها في الإقليم والساحة الدولية، من جهتها المقاومة التي رسمت سيناريوات المواجهة وكيفية التعامل معها وبعد التمادي الإسرائيلي في سفك الدماء وارتكاب المجازر تستعدّ لحرب طويلة وقاسية فلم يعد لديها ما تخسره بل انها ستجهد لتحويل التهديدات الى فرص من أجل تحقيق انتصار ولو بشكل جزئي لأنّ تداعيات ذلك سوف تغيّر معادلات ومشاريع كانت في طور الإنجاز قبل أن تجهز عليها عملية طوفان الأقصى.
في سياق متصل كثر الحديث في الآونة الأخيرة عن الشجرة والنزول عنها بعد دخولنا منتصف الشهر الثالث من المواجهات العسكرية وبعد العجز الإسرائيلي عن تحقيق الأهداف التي شنّ حربه من أجلها، هذا فضلاً عن بداية رسم مسارات لمشهد إقليمي مختلف ينذر بتغيير في قواعد اللعبة والتي بدت ملامحه بعدما استطاعت جهوزية المقاومة في فلسطين منع تحقيق انتصار يبحث عنه الصهاينة، إضافة الى ذلك نجاح محور المقاومة في ساحاته المتنوعة في فرض حركة استنزاف وإشغال وإنهاكات مؤلمة ومكلفة للكيان الإسرائيلي وبشكل أساسي ما تقوم به المقاومة في لبنان وما استطاعت ان تحققه حركة أنصار الله والقوات المسلحة اليمنية في منح الحرب على غزة بعداً اقليمياً ودولياً من خلال نقل المواجهة الى ميدان المياه الدولية في البحر الأحمر مع الكيان الصهيوني وحلفائه.
الى ذلك فإنّ حرب النقاط التي تدور رحاها في غزة والإقليم تشير الى انها ستأخذ وقتاً طويلاً إضافة الى ذلك فإنه وفق تدحرجها الزمني يمكن لها ان تصيب المصالح الأميركية بخلل كبير وبشكل خاص إذا ما عجزت الولايات المتحدة في تحقيق أحد أهداف الحرب الحالية المتمثل في تحقيق إنجاز عسكري يحفظ ماء وجهها في الإقليم والساحة الدولية، وهذا ما بدا جلياً من خلال كسر معادلة الردع الأميركية وتحويلها الى قواعد اشتباك معه نتيجة لخشيتها من ان يؤدّي تدحرج الأمور الى مواجهة شاملة غير مضمونة النتائج ويتخوّف ان تكون تداعياتها كارثية على قوة الردع الأميركية وانعكاسات ذلك على واقع الكيان الصهيوني ودوره في المنطقة.
ختاماً… تحوّلت عملية طوفان الأقصى إلى فرصة ثمينة ستجهد القوى الإقليمية والدولية للاستفادة منها لإضعاف النفوذ الأميركي في المنطقة في مختلف الساحات الدولية، وهو ما يجعل فرصة النزول عن الشجرة خياراً متاحاً قبل فوات الأوان. أما الاستمرار في حرب تخالف منطق الجغرافيا والتاريخ فلن تكون الغلبة فيها إلا لأصحاب الأرض الذين سيجعلون سقوط الهيكل ومعه الشجرة بمنزلة إعلان سقوط مشترك لأميركا وأوروبا والكيان الصهيوني في آن واحد…