مقالات وآراء

«إسرائيل» والقرار الصعب…

‭}‬ مأمون ملاعب
ما يدعو إلى التساؤل والتعجب هو تراجع الاهتمام العالميّ وخصوصاً الأميركي والأوروبي بقضية أوكرانيا من مجرد حدوث عملية طوفان الأقصى. الخطة الأميركية. الاستراتيجية هي تطويق روسيا الاتحادية بدول من حلف الأطلسي تمهيداً للانقضاض عليها وتفكيكها بحيث لا تعود قوة كبرى تستطيع الوقوف بوجه الهيمنة الأميركية على العالم. كان الحلف الأطلسي قد امتدّ فعلاّ إلى كلّ دول أوروبا الشرقية ومن ثم إلى الدول الاسكندنافية. وحتى إلى بعض جمهوريات الاتحاد السوفياتي السابق. فتحت روسيا الحرب على أوكرانيا للتصدّي لهذا المشروع العدائي فكان هجوماً بغية الدفاع عن النفس والمصالح القومية. زجّت أميركا بكل ما تستطيع من أجل هزيمة روسيا وأضرّت بحلفائها الأوروبيين وتدمرت أوكرانيا وتهجر الكثير من شعبها كما وصلت الحرب إلى مرحلة واضحة وهي استحالة انتصار أوكرانيا لما أميركا وتوابعها الأوروبيين لم يقبلوا بوقفها والإقرار بأيّ انتصار روسي أو إمكانية قبول شروط روسية، لذلك استمرّت الحرب عبثية حتى الانهيار الكامل للجيش الأوكراني.
قضية على هذا المستوى العالمي وعلى هذه الأهمية الاستراتيجية تلاشت إلى حدّ اللا اهتمام بمجرد أن حدث ما يهدّد الكيان الصهيوني!
هل (إسرائيل) تمثل المصلحة الاولى والأساسية للولايات المتحدة؟
مباشرة بعد الهجوم الذي نفذته حماس سارعت الإدارة الأميركية لتعيد التوازن المفقود عند إدارة العدو. حضرت القيادة العسكرية لتشارك في الخطط والقيادة السياسية لتعطي الغطاء والحماية، وصدر عن الرئيس الأميركي كلام يتبنّى فيه الرواية الإسرائيلية لما حدث، والذي سرعان ما تبيّن أنه كذب، مما أوقع الرئيس بايدن في الإحراج داخل الولايات المتحدة. ومع انكشاف مدى وحشيّة العدو وجرائمه العديدة وتنديد العالم لها تلبّك الرئيس الأميركي الذي لا يستطيع الانتقاد ولا يستطيع التأييد فصدر عنه كلام مؤيّد مبطّن، لكن نتائج العمليّة العسكرية البرية لجيش الاحتلال أظهرت تداعيات قلقة على هذا الجيش مما استدعى مواقف أميركية جديدة تظهر التراجع عن تأييد الحرب وتحث على هدنة جديدة بل تطرح وقف إطلاق النار والشروع في حل سياسي يقوم على مبدأ: حل الدولتين وبصرف النظر عن التفاصيل.
من جهته رئيس وزراء العدو رفض الاقتراح بل استخف به معلناً أنّ (إسرائيل) مستمرة بالحرب حتى تحقيق الأهداف المعلن عنها..
في تحليلنا لموقف نتنياهو نجد ما يلي:
أولاً: العنحهية اليهودية والتي لا تقبل وصاية أو حتى اقتراحاً ولو من أقرب الحلفاء.، وان القرار في (دولة إسرائيل) تتخذه حكومتها.
ثانياً: أن المأزق الذي وقعت فيه (إسرائيل) غير مسبوق وقد وضعها أمام حالة وجودية عبر عنها كبار القادة. عودة التوازن إلى دولة العدو تشترط نصراً مبيناً، وبالتالي لا سبيل لهم إلا الاستمرار بالحرب. أي وقف لإطلاق النار هو خضوع لشروط حماس وما يعنيه من هزيمة كبيرة للجيش (الإسرائيلي) العمود الفقري لدولته.
ثالثاً: يمثل نتنياهو وفريقه الحاكم والذي انضمّ إليهم غانتس صفوة التجمع اليهودي في فلسطين. إنهم يعكسون الوجه الحقيقي لطموحات اليهود المتجلية بقيام دولتهم الخالصة، اليهودية، خصوصاً على أرض الضفة الغربية، أي تمسك بالمغتصبات ورفض قيام أي دولة فلسطينية مهما كان حجمها ودورها. هذه الطغمة تمثل العقلية والنفسية اليهودية وإلا ماذا يعني أن يصدر عن لسان وزير حربهم وصف يشبه الفلسطينيين بالحيوانات؟ وما معنى هذه العودة إلى التوراة في الكثير من تصريحاتهم؟ لماذا يقوم الجيش بالإذلال العلني لفلسطينيين مدنيين أمام مرأى العالم أجمع دون خجل أو خوف من محاسبة أو حتى لوم من اي مؤسسة في العالم؟ هذه الطغمة الحاكمة تخاف على نفسها من الفشل، خصوصاً نتنياهو، الذي سيُحاكم بتهم الفساد، لكنهم يخافون أكثر على كل المشروع اليهودي المهدد بالزوال. إنها المرة الأولى الذي يدفع فيها جيش العدو هذا الكم من الخسائر ويستمر في الحرب. مئات القتلى بينهم الكثير من القادة العسكريين وألوف الجرحى، ورغم هذا النزف ما زالت المعركة مستمرّة وتحظى بدعم كل المتطرّفين وما أكثرهم.
يظهر التخبّط في الموقف الأميركي الذي يحاول أن يتخذ قرارات تماهي الواقع الميداني والحالات الشعبية في داخل الولايات المتحدة والعالم، لكن في كل مرة يتراجع وتعود الإدارة إلى «تفهّم» الحاجة الإسرائيلية. صحيح أن أميركا تستطيع وقف الحرب لأنها الداعم الأساسي لها وهي من يؤمّن الذخيرة والسلاح ويستنفر المدمّرات في البحر الأحمر لحماية (إسرائيل) من الغارات اليمنيّة، تستطيع وقف الحرب إذا ما أوقفت الدعم. هذا في الشكل، أما في المضمون…
ـ استعملت الولايات المتحدة «حق» النقض في مجلس الأمن بوجه بقية الأعضاء.
ـ وقفت وحدها في الأمم المتحدة ضد كل دول العالم بوجه وقف إطلاق النار (لا قيمة لبقية الدول المؤيدة)،
ـ استدعت رؤساء الجامعات الكبيرة في الولايات المتحدة للتحقيق على خلفية المظاهرات الطالبية الداعمة لفلسطين. ووقع الإحراج حين رفض أمناء جامعة هارفارد إقالة رئيستهم مما يشكل تحدّيا للكونغرس.
ـ اتخذ الكونغرس قراراً يعتبر معاداة الصهيونية هو معاداة السامية. ومن المعروف أن معاداة السامية هي عبارة شكلية تعني معاداة اليهود، فإن من المستغرب أن يعتبر الكونغرس أن الصهيونيّة تمثل اليهودية وهم طالما جهدوا للتفريق. وطالما أن الصهيونية هي حركة سياسية فإن منع معاداتها هو انتقاص من حرية التعبير وحرية الرأي والديمقراطية التي تتغنى بهم الولايات المتحدة.
ـ الولايات المتحدة مقبلة مع بداية العام الجديد على انتخابات وما زلنا نرى مواقف من الإدارة الأميركية المعنية بالانتخابات، لا تتناسب مع استطلاعات الرأي العام.
يقودنا ذلك إلى أنّ سير الإدارة الأميركية في طريق خسارة الرأي العام العالمي تجاه الولايات المتحدة وخسارة الرأي العام الداخلي تجاه الإدارة والتردّد والتخبّط باتخاذ المواقف إلى فكرة واحدة أن من يمسك القرار يضع الشأن اليهودي فوق أي مصلحة حتى أميركية وفوق أيّ اعتبار.
يعتبر السياسيون والإعلاميون أنّ الولايات المتحدة صاحبة القرار وأن ما يصدر عنها من موقف ليس إلا لدى الرماد في العيون، لكن السؤال هي تخدع من؟ بالنسبة لحلف المقاومة فهو يحمّل أميركا كامل المسؤولية عن ما يحدث ولا يعنيه ما تصرّح به بل ما تقوم به. بالنسبة إلى اتباعها العرب فلا قيمة لخداعهم أو لعدمه. هم بالاصل موافقون على اي قرار تتخذه. بالنسبة لـ (إسرائيل) لا يمكن أن تحاول الولايات المتحدة خداعها. بالنسبة إلى العالم والى الداخل الأميركي فإن الإدارة تقدم كذباً وتردداً وضعفاً، وبالتالي هذا ليس خداعاً. من وراء موقف الفاتيكان؟ هل يُعقل أن لا يدين الصرح البابوي مجازر بحق ألوف المدنيين فيما يهتمّ لمقتل اثنين من الكاثوليك؟ وهل الولايات المتحدة من يكبّل الكرسي البابوي أو الصهيونية العالمية؟ لقد وصل الأمر بهذا الموقع إلى تبرئة اليهود من صلب المسيح دون أدلة ودون ثائق ولسبب وحيد الخضوع إلى إرادة اليهود.. وإذا اعتبرنا أن الجالية اليهودية كبيرة في الولايات المتحدة فماذا عنها في فرنسا؟ ولماذا يصل رئيس يهودي إلى الحكم في فرنسا؟ ولماذا تضع دولة الثورة الفرنسية القيود على اي انتقاد لـ «إسرائيل» ولليهود وتحاكم كل من يخالف زعمهم؟
لو كانت (إسرائيل) دولة طبيعية وقادرة على قراءة الأزمة والحدث لكانت أدركت من خلال التجارب السابقة مع غزة ومع لبنان وعشية السابع من تشرين الأول أن اجتياح غزة برياً مستحيل أو على الأقل صعب ومكلف وطويل الى درجة أنه مستحيل وأن العمليات من الجو لا تحسم حرباً ولا تصنع نصراً وان التجربة في لبنان أدت إلى تفاوض غير مباشر وتبادل وان الأمم المتحدة ومجلس الامن والدول الكبرى في خدمتها لإخراج أي قرار سياسي لكان من المتوقع أن تقوم برد فعل انتقامي، كما فعلت، دون ركوب موجة الأهداف المستحيلة حتى لو كانت شعبوية والعمل على تحقيق أهداف المقاومة تحت قرار يشبه 1701 ومن ثم الذهاب الى معالجة وضعها الداخلي. لكن الحكومة الحالية وكما ذكرت أعلاه تمثل الوجدان اليهودي الذي لا يقبل الهزيمة ولا يستوعبها، هو العنصر المتفوق والقادر، والذي رأى أن السابع من تشرين الأول هو بداية سقوط المشروع ورحيل مغتصبات الجنوب. لم يقرأ التجارب بل اختار طريقاً يرضي الساديّة فيه ويقوده إلى الانتحار…

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى