اليمن والإقليم ومعادلة البحر الأحمر
} د. حسن مرهج*
لم تمنع الحرب العبثية التي شُنت على اليمن واليمنيين خلال السنوات الماضية، من البقاء ضمن عناوين المعادلات الجيوسياسية، بل والبقاء كـ فاعلين مؤثرين في عموم معادلات الإقليم، ومع المستجدات الشرق أوسطية، فإنّ اليمن وعلى اعتباره ضمن محور مناهض للسياسات الأميركية، فإنّ اليمن واستحواذه على نقاط القوة وتمكنه من تحقيق معادلات ردع في مياه البحر الأحمر والمضائق، فإنّ هذا الأمر سيكون بلا ريب عنواناً مفصلياً في معادلات الاقليم، وبمعنى آخر، فإنّ اليمن بات رقماً صعباً لا يمكن الالتفاف عليه في النظام الإقليمي الجديد رغم العدوان المتكرر عليه، واليوم فإنّ معادلة المياه تدخل في صلب المعادلات الشرق أوسطية، وستضع حداً للهلوسات الأميركية والغربية المتعلقة باخراج اليمن والمقاومة من دائرة التأثير والفاعلية.
واقع الحال يؤكد بأنّ استمرار الحرب في فلسطين كان سيؤدّي بشكل أو بآخر إلى توسيع رقعة المعارك، كما أنّ فتح جبهات جديدة لا يعني فقط دعم الفلسطينيين، بقدر ما يعني وضع نقاط القوة والتوازن موضوع التأثير، وبالتالي كان فتح جبهة البحر الأحمر حدث غير متوقع أميركياً، ومع تزايد الهجمات الصاروخية والطائرات دون طيار في اليمن وتحديداً في البحر الأحمر وخطوط الملاحة والمضائق، واستهداف السفن الأميركية والإسرائيلية ومن في صفهم، حدثاً حول اهتمام المحللون الدوليون من غزة إلى البحر الأحمر.
مع بداية التطورات في فلسطين، وعندما حذرت جماعة أنصار الله في اليمن «إسرائيل» من الدخول في مرحلة الهجوم البري على غزة، لم يأخذ الكثيرون هذا الموقف على محمل الجدّ، ولكن بعد ثلاثة أيام من بدء الهجوم البري، قامت اليمن بإطلاق عدة صواريخ وطائرات دون طيار وتمّ استهداف ميناء ومدينة إيلات في أقصى جنوب فلسطين لإظهار تمسكها بكلمتها.
كما أنّ تهديد سفن الشحن المتجهة إلى الأراضي الفلسطينية أو منها والسيطرة على سفينة «غالاكسي ليدر» أتت كـ نذير بأنّ العمليات لا تزال مستمرة وهذه الحادثة أثارت قلق الولايات المتحدة، وكان جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي لجو بايدن، أعلن الأسبوع الماضي أنّ الولايات المتحدة تتفاوض مع دول أخرى وتحاول إقناعها بتشكيل قوة بحرية دولية لضمان المرور الآمن للسفن في البحر الأحمر.
«سكاي نيوز عربية» نقلت عن مسؤول بوزارة الدفاع الأميركية قوله إنّ الولايات المتحدة تحاول ضمّ 40 دولة إلى هذه القوة البحرية الدولية، وحسب هذا المسؤول الأميركي، فإنّ «القوة البحرية المذكورة ستراقب مساحة ثلاثة ملايين ميل من المياه الدولية وتشمل الدول الأعضاء في القيادة المركزية الأميركية». ما سبق يُعدّ دليلاً على أنّ اليمن بات يشكل تحوّلاً هاماً في ملفات الإقليم، والخشية الأميركية من قوة الحوثيين وتأثير أوراقهم في عناوين الإقليم، دفع الولايات المتحدة إلى المطالبة بتشكيل تحالف بحري، الأمر الذي يمكن وضعه في نقاط محددة.
النقطة الأولى، كلّ التحالفات الأميركية السابقة لم تحقق النتائج المرجوة، كما أنّ التحالفات الأميركية ورغم قدرتها المالية والاستخبارية والعسكرية إلا أنها انهارت وأصبحت عملياً فضيحة لأميركا، ولنا في أفغانستان خير دليل، وكذلك فشل الولايات المتحدة وحلفاؤها في سورية، وسلسلة الإخفاقات في حرب أوكرانيا، والتراجعات القسرية للولايات المتحدة ضدّ سلطة إيران البحرية في الخليج العربي وما شابهها في بحر الصين ما هو إلا مظهر صغير من مظاهرها وهو نسخة عقيمة من التحالفات الأميركية.
النقطة الثانية. كلّ التحالفات الأميركية لم تُحقق عنواناً واحداً للإستقرار بل على العكس، بل هي دائماً جاءت لتصعيد أزمات وجرائم لا حصر لها في العالم، مثل التحالف ضدّ تنظيم القاعدة في أفغانستان، والتحالف ضد «داعش» في العراق وسورية، وهذه التحالفات التي لم تساعد في الحدّ من تدفقات الإرهابيين فحسب، بل استهدفت بالفعل جبهة محاربة الإرهاب.
النقطة الثالثة. مصير التحالفات الأميركية محكوم بالفشل، وبالتالي فإنّ مصير تحالف البحر الأحمر ضدّ الحوثيين مصيره الفشل أيضاً، خاصة أنّ التحالف المذكور ضدّ اليمن الذي خرج من الاختبار القاسي لحرب الثماني سنوات مع أحدث الجيوش في المنطقة، واليوم يعترف المحللون بأنه لا يمكن تجاهل دور اليمن في تحديد مصير المنطقة.
في العمق فإنّ ما يحدث من تطورات في البحر الأحمر يرقى إلى أن يكون معادلة استراتيجية فرضتها قوة الحوثيين البحرية، والتطورات تشي صراحة بأنّ الحوثيين بصدد فرض حصار بحري اقتصادي بمقومات استراتيجية على الممر البحري الواصل حتى «إسرائيل»، وهذا جوهر ما يقوم به الحوثيون وجوهر رسائلهم للإقليم، وفي جانب آخر فإنّ قوة أنصار الله البحرية تريد استثمار هذا الواقع لجهة فك الحصار عن اليمن وسورية ولبنان، والأهمّ إيقاف الحرب في غزة، ودون ذلك فإنّ الحصار الذي فرضه الحوثيون لن يُفك حتى تطبيق مطالب أنصار الله.
ختاماً. بصرف النظر عن السياسات الأميركية ومعادلات التحالفات العسكرية والبحرية والأمنية سواء في البحر الأحمر أو غيره من مناطق الصراع، إلا أنّ اليمن واليمنيين قد مرغوا أنف الولايات المتحدة وحلفاؤها في التراب، واليوم فإنّ اليمن ومعادلاته الشرق أوسطية، فإنه من غير الممكن أميركياً إيقاف قوة الحوثيين، بل لا بدّ أميركياً من النظر في تأثير الحوثيين على معادلة الإقليم الجديدة، وكذلك على مساحة البحر الأحمر كاملاً.
*خبير الشؤون السورية والشرق أوسطية