الكيان يعترف بفشل الحرب فيعلن المرحلة الثالثة… لكنه يرفض دفع ثمن الهزيمة / اغتيال قائد في الحرس الثوري يفتح باب احتمالات التصعيد وحرب حافة الهاوية / الأميركي أمام تحديات أنصار الله في البحر الأحمر وتصعيد الهجمات في العراق /
كتب المحرّر السياسيّ
تلاحقت عناصر الاعتراف الإسرائيليّ بخطورة المأزق الذي يعيشه مع فشل الحرب التي شنّها على غزة والمقاومة، ورسم لها السقوف العالية، وهي في نهاية شهرها الثالث تتحوّل إلى حرب استنزاف معنوية وعسكرية، حيث العزلة الدوليّة التي تحدّث عنها الرئيس الأميركي جو بايدن، كما العبء الأخلاقيّ على الحلفاء، يصبحان يوميّات تحملها الوقائع المتلاحقة من عواصم الدول الغربية وشوارعها التي تضغط على حكوماتها للوقوف ضد الحرب التي يشنها جيش الاحتلال، وقد تحوّلت الى حرب إبادة بحق الشعب الفلسطيني ومذابح مفتوحة بحق آلاف النساء والأطفال، بينما كشفت أرقام الخسائر العسكرية عن فقدان وحدات النخبة في جيش الاحتلال قدرة الاستمرار في حرب الاستنزاف بعدما فقدت هذه الوحدات من قوامها البشري نسباً تتراوح بين 25% و40%، وجاء إعلان قادة الكيان عن الانتقال الى مرحلة جديدة من الحرب سمّوها بالمرحلة الثالثة، تتضمن انسحابات من مناطق الاشتباك الى مناطق خلفيّة تمّت تسميتها بالحزام الأمني، وتقوم على وقف عمليات التوغل البري والقصف الجوي والبري والبحري لصالح اعتماد العمليات المستهدفة، كي يترجم طلباً أميركياً بالانتقال الى صيغة يمكن تحملها مدة أطول، طالما أن الاتفاق على تبادل الأسرى لا يبدو قريباً، والقبول بشروط المقاومة يمثل هزيمة كاملة.
أمام مأزق العجز عن فرض شروط للهدنة تناسب وضع الكيان، وتمسك المقاومة بشروطها بربط تبادل الأسرى بإنهاء العدوان وفك الحصار ووضع إطار لإعادة الإعمار، بدا أن الانتظار الطويل سوف يحمل خطر التآكل، واحتمال انتقال المقاومة الى الهجوم على القوات التي تبقى في قطاع غزة، إضافة الى التآكل المستمر في هيبة الردع الأميركي أمام تصاعد الهجمات التي بدأت تسقط بين صفوف الأميركيين المزيد من الجرحى، بينما في البحر الأحمر لا يزال باستطاعة أنصار الله فرض إرادتهم على السفن التي تتجه نحو الكيان، سواء بردعها أو استهدافها، ومحاولات التصدي الأميركي لصواريخ ومسيرات أنصار الله قد تستدرجه الى مواجهة تتحول الى استهداف أوسع لن تنجو منه السفن الحربية والمدمّرات ولا القواعد الأميركية في الخليج، وفي محاولة متكرّرة للتصعيد والمخاطرة بحرب إقليمية، بعد فشل محاولة الحصول الاسرائيلي على موافقة أميركية على حرب مع المقاومة في لبنان وسط خشية أميركية من تحولها الى حرب إقليمية، جاءت عملية اغتيال جيش الاحتلال للعميد رضي الموسوي أحد قادة الحرس الثوري الإيراني في دمشق، ترجمة للتوجه الإسرائيلي ذاته بدفع المنطقة نحو حرب حافة الهاوية، أملاً بدمج مصيره مع مصير الانخراط الأميركي في هذه الحرب، وسط مساعٍ أميركية لتفادي هذه المخاطرة.
فيما سيطرت على المشهد الداخليّ حالة من الاسترخاء السياسيّ خلال عطلة عيد الميلاد، كانت الجبهة الجنوبيّة تزيد سخونة في ظل ارتفاع منسوب تبادل القصف بين المقاومة الإسلامية وقوات الاحتلال الإسرائيلي والتي توسّعت أمس الأول وأمس الى مناطق لتصلها قذائف الاحتلال للمرة الأولى، منها جبشيت القريبة من مدينة النبطية. في المقابل وسّع حزب الله استهدافاته لمواقع الاحتلال في عمق شمال فلسطين المحتلة، ما يفتح الباب على تدحرج الوضع الى حرب أوسع تتجاوز الخطوط الحمر الذي يلتزم بها الطرفان منذ بداية الحرب.
وحذّر خبراء في الشؤون العسكرية والاستراتيجية من أن قواعد الاشتباك الحاكمة على الحدود قد لا تصمد إلى وقت طويل في ظل ضراوة القصف على طول الجبهة الجنوبيّة وحجم التأثير الذي تشكّله عمليات قوات حزب الله على جيش الاحتلال وعلى سكان شمال فلسطين وعلى حكومة الحرب والمستوى السياسيّ الإسرائيليّ، ويُضيف الخبراء لـ«البناء”: صحيح أن حزب الله وجيش الاحتلال يدرسان الضربات على ميزان من ذهب لعدم الانزلاق إلى الحرب الشاملة ولوجود ضابط إيقاع أميركيّ لا يريد التصعيد أكثر، لكن لا يمكن ضبط الوضع كلياً وأي خطوة غير محسوبة قد تأخذ الأمور إلى حرب شاملة.
ويشدّد الخبراء على أن الاحتلال الاسرائيلي ضاق ذرعاً من ضربات المقاومة في الجنوب ومن المعادلات القاسية التي فرضتها ولا يمكن لجيش الاحتلال تغييرها وحتى لو شنّ عدواناً عسكرياً كبيراً في جنوب الليطاني لإبعاد حزب الله. وأوضح الخبراء أن أي عدوان إسرائيلي لن يستطيع إبعاد الحزب الذي بات أكثر قوة من ٢٠٠٦ بأضعاف فيما جيش الاحتلال يغرق في مستنقع الحرب في غزة وتواجهه هزيمة كبيرة.
وواصلت المقاومة عمليّاتها ضد مواقع الاحتلال فأعلنت في سلسلة بيانات متلاحقة استهداف عدد كبير من المواقع.
واعلن حزب الله استهداف “انتشار لجنود العدو الإسرائيلي في محيط موقع راميا بالأسلحة المناسبة، وتم تحقيق إصابات مباشرة”. كما اعلن “اننا استهدفنا غرفة رصد قرب ثكنة الشوميرا بالأسلحة المناسبة وحققنا إصابات مباشرة وأوقعنا أفرادها بين قتيل وجريح”.
واستهدف “تجمعاً لجنود العدو قرب ثكنة دوفيف بالأسلحة المناسبة وأوقعهم بين قتيل وجريح”. وأعلن استهداف “قيادة الفرقة 91 في ثكنة برانيت بالأسلحة المناسبة”. واستهدف أيضاً “تجمّعاً لجنود العدو الإسرائيلي في موقع الراهب بالأسلحة المناسبة، وأوقع أفراده بين قتيل وجريح».
في المقابل صعّد جيش الاحتلال عدوانه على الجنوب فشنّ غارتين متتاليتين على منطقة مفتوحة بين بلدتي جبشيت وشوكين. واستهدف القصف المدفعي الفوسفوري مرتفع بلاط، كما تعرّضت أطراف بلدة بيت ليف لقصف مدفعي. واستهدف قصف بالقذائف الفوسفوريّة جبل بلاط – مروحين، حيث غطّى الدخان الأبيض المنطقة. وسُجّل قصف مدفعيّ لأطراف بلدتي بليدا وميس الجبل لجهة وادي السلوقي. وأصيب مدنيّان بعد استهداف مسيّرة إسرائيليّة سيارتهما في بلدة تولين جنوباً. وأفادت غرفة عمليات جمعية كشافة الرسالة الإسلاميّة (الدفاع المدني) أن فريق الإنقاذ في بلدة تولين نقل إصابتين بجروح بسيارات الإسعاف من جراء القصف الذي تعرّضت له البلدة.
وقال المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي: “تمّ إطلاق صاروخ دفاع جوي للمرة الثانية من لبنان تجاه طائرة تتبع لسلاح الجو “الإسرائيلي”. وأشار إعلام إسرائيلي الى “إصابة “إسرائيلي” بصاروخ موجّه أُطلق من لبنان تجاه مستوطنة أدميت بالجليل الغربي”، وأيضاً “سقوط إصابات بعد إطلاق حزب الله لصاروخ مضاد للدروع تجاه مستوطنة إفن مناحم بالجليل الغربي”.
واعلن الإسعاف الإسرائيلي عن 4 إصابات إحداها خطيرة إثر سقوط صاروخ مضاد للدروع قرب إقرث عند الحدود مع لبنان.
وذكرت صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية، أن 9 جنود إسرائيليين أصيبوا بجروح ما بين خطيرة ومتوسطة بإطلاق صاروخ مضاد للدبابات من لبنان على شمالي البلاد.
وادّعى المتحدث باسم حكومة الاحتلال ايلون ليفي أنه “يجب إبعاد حزب الله عن الحدود وفق القرار الدولي رقم 1701 ونقول له تراجع”، مشيراً إلى أن “إسرائيل لا تريد حرباً على جبهتين، لكننا سنفعل كل ما يلزم لضمان أمننا”.
وإذ نفت مصادر “البناء” كل ما يثار في بعض وسائل الإعلام عن انسحاب قوات حزب الله من جنوب الليطاني الى شماله، أكدت بأن الحزب لن يتراجع ولن يغير مكانه ولن يبدل مواقفه وسيبقى في الميدان على طول الجبهة لإسناد غزة مهما أجرمت آلة التدمير العدوانيّة. ووضعت المصادر هذه الأضاليل الإعلامية في اطار محاولة حكومة الاحتلال دعم الجبهة الداخلية المنهارة ورفع معنويات جيش الاحتلال وتحقيق انتصار وهميّ ولتطمين سكان الشمال، وكذلك التعويض عن الهزيمة العسكرية في الميدان بالانجازات الدبلوماسيّة الوهميّة.
وأكد عضو كتلة “الوفاء للمقاومة” النائب حسن فضل الله، أننا “أعددنا لكل مرحلة خطتها، ولكل مواجهة أسلحتها. وهذا، ما يعرفه العدو جيداً من خلال الميدان، ولذلك فإن المقاومة الإسلامية تثبت اليوم معادلات جديدة تتعلق بحماية شعبها”.
وشدّد فضل الله، خلال الاحتفال التكريمي الذي أقامه “حزب الله” لأحد عناصره في محلة الحوش، أن “على العدو أن يدرك أن المنزل بالمنزل وأن الحقل بالحقل وأن استهداف المدنيين سيردّ عليه بشكل سريع وحاسم، وأنه إذا كان يمتلك قوة تدمير وسلاح جو، فإننا نملك الإرادة والعزيمة والقرار الذي ننفذه في كل يوم، وعلى العدو أيضاً أن يعرف أن كل نوع من أنواع المواجهة سيقابل بمعادلة في الميدان، وهذا يتمّ تثبيته في كل يوم”.
وأضاف “المقاومة عندما دخلت هذه المواجهة فضلاً عن أنها كانت تنتصر للشعب الفلسطيني المظلوم، لكنها أحبطت مخططاً إسرائيلياً كان يُعدّ للبنان، ويريد العدو أن يباغتنا وأن يفاجأنا فيه متوهماً أننا لسنا في حالة جهوزية أو استعداد، ولكن من الأيام الأولى عندما بدأت المقاومة عملياتها ضد العدو، وبدأت مواجهة اعتداءاته، كانت تقول له إنها جاهزة ومستعدّة وحاضرة في الميدان، ولا يمكن أن يفاجأها هذا العدو بعدوان، ويظنّ أننا نائمون، ويأتي إلى بيوتنا ومراكزنا ومواقعنا، ويُغير علينا ويستهدفنا”.
سياسياً، كانت لافتة زيارة قائد الجيش العماد جوزف عون الى وزير الدفاع الوطني في حكومة تصريف الأعمال موريس سليم في مكتبه في اليرزة، في زيارة تهنئة بمناسبة عيد الميلاد المجيد.
اما التيار الوطني الحر فيعدّ العدّة للطعن بقانون التمديد الذي أقرّ في مجلس النواب. في السياق، أعلن عضو تكتل “لبنان القوي” النائب سيزار أبي خليل أن “الطعن بقانون التمديد قيد التحضير وأصبح منجزاً وما حصل في مجلس النواب هو تشريع محاباة”.
وأضاف في حديث تلفزيونيّ “الأطراف السياسية تأتمر بأوامر الخارج من أصغر سفير ومن أصغر موظف وهي باعتنا التغيير والإصلاح وعند أول مفترق طرق خرقت الدستور والقانون”. وتابع أبي خليل: “مجلس الوزراء لا يتمتع بثقة مجلس النواب وهو ساقط شرعيّاً ولا يحق له حتى أن يجتمع”.
وفيما وضع ملف التعيينات العسكرية في مجلس الوزراء، على نار حامية بدفع من رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي و«المختارة”، علمت البناء أن الاتصالات والمشاورات استمرّت حتى خلال عطلة العيد بين الأطراف المعنية لتذليل العقد السياسية والقانونية لإنجاز ملف التعيينات العسكرية. كما علمت أن ميقاتي أبلغ القوى المعنية استعداده لعقد جلسة للحكومة وطرح ملف التعيينات فور التوافق السياسيّ على هذه التعيينات. ولفتت مصادر مطلعة لـ«البناء” إلى أن الملفّ بعد لقاء المردة والاشتراكي أصبح سالكاً لبتّه في مجلس الوزراء مطلع العام الجديد.
وزار رئيس الحزب التقدّمي الاشتراكي النائب تيمور جنبلاط أمس، رئيس تيار المردة سليمان فرنجية، في بنشعي، على رأس وفد يضمّ عضوَيْ كتلة اللقاء الديمقراطي النائب أكرم شهيب والنائب وائل أبو فاعور، أمين السر العام ظافر ناصر، مستشار النائب جنبلاط حسام حرب وجوي الضاهر.
وبعد اللقاء، قال النائب أكرم شهيب: “إذا كان هناك بعض التباين في المواقف بيننا وبين تيار “المردة”، فهذا لا يلغي الودّ والاحترام والتقدير والتواصل في ما بيننا تأكيداً على العلاقة التاريخية والوطنية التي تربط المختارة بهذه الدار”.
بدوره، قال النائب طوني فرنجية: نرحّب برئيس “الحزب التقدمي الاشتراكيّ” تيمور جنبلاط وبالوفد المرافق، مؤكدين أن الدار هي دارهم على الرغم من بعض التباينات في وجهات النظر بين “المردة” و«الاشتراكي”، التي لا تمنع التواصل الدائم في ما بيننا، وذلك انطلاقاً من إيماننا بالحوار وبلغة التواصل”.
وأضاف: “أكثر ما نلتقي اليوم عليه مع “الحزب التقدمي الاشتراكي” هو أن لا خروج للبنان من نفقه الأسود من دون التواصل والحوار بين مختلف الأفرقاء، ونأمل أن نشهد بعد انتهاء فترة الأعياد نشاطاً على هذا الصعيد”. وأشار إلى أن تيار “المرده” يؤكد حرصه الدائم على مختلف مؤسسات الدولة اللبنانية رغم علامات الاستفهام التي يطرحها حول مبدأ التعيينات في ظل غياب رئيس الجمهورية”.
واستنكر فرنجية كيف أننا “في كل مرة نقوم بالبحث عن الحلول المجتزأة في حين أن الحل الفعلي هو بالتوصل الى انتخاب رئيس للجمهورية يعيد الانتظام الى المؤسسات اللبنانية”. وقال: “في ما يتعلق بالتمديد لقائد الجيش العماد عون، رأينا أن البديل عنه هو الذهاب بالبلاد إلى المجهول، وهذا ما دفعنا الى الموافقة على هذا التمديد. واليوم، نلمس أن هناك حرصاً كبيراً من قبل المؤسسة العسكرية ومن قبل الحزب التقدمي الاشتراكي على المجلس العسكري، وذلك حفاظاً على انتظام العمل في صفوف الجيش”. أضاف: “انطلاقاً من هنا، نؤكد أننا مستمرون بالحوار مع كل المعنيين لإيجاد الحل الملائم لهذا الموضوع منعاً لأي تأثير سلبي على حسن سير العمل في المؤسسة العسكرية”.