خط الانتظار أم حافة الهاوية؟
ناصر قنديل
– تتسابق معادلتان في مقاربة كيان الاحتلال للمأزق الاستراتيجي الذي بات مسلمة فوق النقاش لحصيلة الحرب الأميركية الإسرائيلية على غزة. المعادلة الأولى هي ما تشير إليه عملية الترويج لمرحلة ثالثة من الحرب، تطابق النصائح الأميركية تحت عنوان إنهاء العمليات الحربية الواسعة وعمليات القصف التدميري واستهداف المدنيين، والاكتفاء بما يُسمّى بعمليات الاستهداف لقادة المقاومة ومستودعاتها ومرابض صواريخها وأماكن احتجازها للأسرى، سواء بقصف طائرات مسيرة أو غارات جوية تستهدف مستودعات وأنفاقاً أو عمليات كوماندوس تستهدف أماكن الأسرى، وذلك تحت عنوان تحذيرات أميركية من خطورة أن يؤدي اللهاث وراء انتصارات تكتيكية إلى هزيمة استراتيجية للكيان، وتأتي المرحلة الثالثة كترجمة عبرية لهذه النصائح والتحذيرات الأميركية، فتتحدّث عن ما تسمّيه بالتموضع في حزام أمني بدلاً من صيغة “الانسحاب من المناطق التي تحوّل الانتشار فيها إلى حرب استنزاف قاتلة”، ويُصبح الحديث عن الانتقال إلى مرحلة جديدة لأن المرحلة السابقة حققت أهدافها، بدل صيغة “قتل المدنيّين العشوائيّ الذي تسبّب بعزلة “إسرائيل” وحوّلها الى عبء أخلاقي على حلفائها وفي مقدمتهم الأميركيّون”، وهذا الخيار هو نتيجة لفشل محاولات التوصّل الى صفقة تبادل للأسرى لا ترتبط بإعلان وقف نهائيّ للحرب، لأن ذلك بقناعة واشنطن وتل أبيب إعلان هزيمة استراتيجية كاملة، وفشلاً ذريعاً للحرب.
– يتسابق خيار الانتقال إلى خط الانتظار بأقلّ الخسائر، تحت شعار الحرب مستمرّة وتحقق أهدافها، مع خيار آخر يقول إن خط الانتظار لن يحقق شيئاً، لأن مجموعات المقاومة سوف تستعيد سيطرتها الكاملة على المناطق التي تخليها قوات الاحتلال، وتنطلق منها لمواصلة عمليات الملاحقة والمطاردة للاحتلال في نقاط المرحلة الثالثة المسمّاة حزاماً أمنياً سوف يصبح في اليوم التالي حزاماً نارياً، يحاصر قوات الاحتلال ضمنه، فيصير الانسحاب خياراً حتمياً دون إعلان وقف الحرب وإنجاز تبادل الأسرى، تماماً كما حدث مع الحزام الأمني الذي أقيم بين عامي 2004 و2005، قبل سنة من الانسحاب من غزة. والخيار الثاني وجد إشارات حضوره في التهديدات الإسرائيلية الموجّهة علناً للبنان بالذهاب الى حرب شاملة، وجاءت ترجمته الواضحة في اغتيال القائد في الحرس الثوري الإيراني العميد رضي الموسوي. وجوهر هذا الخيار يقوم على اللعب على حافة الهاوية، عبر التصعيد نحو حرب إقليمية، تستدرج واشنطن لخوضها بالمشاركة مع كيان الاحتلال، حيث يمكن لتآكل قدرة الردع الأميركية في البحر الأحمر وسورية والعراق، أن يخلق استجابة في بعض الأوساط الأميركية، على قاعدة تحويل التصادم إلى فرصة لإنتاج تسوية تعبر عن موازين قوى يكون الكيان فيها تحت المظلة الأميركية، وتكون التسوية قابلة للحياة، وفي قلبها تبدو التنازلات الإسرائيلية مقبولة في الرأي العام لأنها جاءت بعد تجربة مرارة الحرب الكبرى، ولأنها ضمن تسوية أكبر يصبح معها انتقاد التسوية وتداعياتها أصعب وتحميل قيادة الكيان مسؤولية الهزيمة أقل مصداقية.
– تميل واشنطن للتراجع عند خط الانتظار، لكنها لا تستطيع إنكار مخاطر استمرار التآكل في ظله، ذلك أن وقف القتل المفتوح بحق النساء والأطفال في غزة وسحب وحدات جيش الاحتلال من مناطق الاشتباك يشتريان بعض الوقت لجهة خسائر جيش الاحتلال والخسائر في الرأي العام العالميّ، لكن من دون اتفاق تبادل سوف تتصاعد المطالبات بالذهاب إلى إعلان وقف الحرب ونهايتها، ومن دون وقف الحرب لن تتوقف العمليّات في البحر الأحمر والعراق وسورية. وخلال أيام من التموضع عند خط الانتظار لا شيء يضمن عدم انتقال المقاومة في غزة الى عمليّات هجوميّة نوعيّة تستهدف المواقع المسماة الحزام الأمني بنيّة اقتلاعها، وليس فقط إلحاق الخسائر بها، على طريق ميني طوفان. ويمكن الإسرائيلي أن يطرح على الأميركي بوجه دعوة التموضع عند خط الانتظار السؤال ذاته الذي يطرحه عليه الأميركي: ماذا عن اليوم التالي؟ وهذا يعني أن الإسرائيلي في الوقت الفاصل عن بدء تطبيق المرحلة الثالثة، أو التموضع عند خط الانتظار، سوف يلجأ الى عمليات تشبه اغتيال العميد موسوي، بعدما فشل بالحصول على الموافقة على الاندفاع نحو التصعيد بوجه المقاومة في لبنان، وهو لا يستطيع الذهاب وحده حتى من الزاوية اللوجستية، إضافة لعجزه عن اتخاذ قرار بهذا الحجم من دون تغطية أميركية في السياسة والرعاية والحماية وصولاً لتأمين الذخائر يوماً بيوم، بينما العمليات الأمنيّة في سورية، توفير بيئة وفرص للتصعيد سواء بوجه إيران أو سورية أو حزب الله، ما يرفع احتمالات التدحرج نحو حافة الهاوية.