مقالات وآراء

القواعد الأميركية في العراق وسورية والمعادلات الجديدة

‭}‬ د. حسن مرهج*
لم تدّخر الولايات المتحدة جُهداً في محاولتها تغيير الواقع الجغرافي في سورية والعراق، والمؤكد أنّ القواعد الأميركية المنتشرة في سورية حاولت مراراً وتكراراً إعادة إنتاج الإرهاب بأشكال مختلفة، إلا أنّ جوهر التوجهات الأميركية في هذا الإطار يعتمد على نقطتين، الأولى إبقاء حالة اللا إستقرار في الجغرافية السورية بغية التأثير على الوقائع السياسية والعسكرية التي حققتها الدولة السورية خلال سنوات الحرب، والعمل في سياق منع دمشق من تعزيز تواجدها على عموم الجغرافية السورية، والنقطة الثانية ترتبط بالأولى عضوياً، فالولايات المتحدة تحاول منع التقاء قوى المقاومة في العراق وسورية، مع إبقاء الحدود السورية العراقية ملعباً لإرهابيّي داعش بما يحقق الغاية الأميركية من توظيف الإرهاب وإبقاء منطقة الحدود ضمن إطار اللا إستقرار وبالتالي التأثير عميقاً على المشهد العام في سورية والعراق.
مع بداية الحرب في سورية، تدخلت الولايات المتحدة بكلّ ثقلها السياسي والعسكري المباشر والغير مباشر، ونظراً لتواجد القوات الأميركية في العراق عند منطقة الحدود، فإنّ هذا الأمر جعل من الولايات المتحدة تتدخل وتحتلّ قسماً استراتيجياً من الجغرافية السورية، وعليه فإنّ النوايا الأميركية في هذا الإطار كانت واضحة، لا سيما أنّ واشنطن وظفت الإرهاب في سياساتها في سورية، وعملت على تغيير المشهد السياسي في سورية انطلاقاً من الإرهاب، لكن تكاتف دول المحور مع سورية، وتدخلهم في توقيت استراتيجي، والدخول الروسي على خط المواجهة، والأهم ّصمود دمشق سياسياً وعسكرياً، فإنّ كلّ هذا أحبط المخطط الأميركي، ليبقى الإرهاب الذي ترعاه القواعد الأميركية في سورية والعراق، عنواناً لمحاولات أميركية لزعزعة الواقع السوري والتأثير عليه اقتصادياً.
حقيقة الأمر أنّ ذريعة التواجد الأميركي لمحاربة داعش، هي كذبة كبيرة، إذ هناك عشرات الأفلام الموثقة تظهر أنه عندما كانت قوات الحشد الشعبي والجيش العراقي وفصائل المقاومة السورية يحاصرون عصابات داعش الإرهابي، كانت أميركا ترسل الى هذه العصابات طائرات تزوّدها بالسلاح والدواء والغذاء، وكذلك نقل قادة داعش بين الأراضي السورية والعراقية من اجل تغيير تموضعهم استعداداً للقيام بعمليات إرهابية.
الموضوع الأهمّ هو ليس قضية إحياء داعش من خلال استمرار القواعد الأميركية في سورية والعراق، وانما هناك تخوّف أميركي نتيجة طلب قادة المحور من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ضرورة العمل على إخراج القوات الأميركية من شرق الفرات، وبالتالي فإنّ أميركا تحسب لهذا ألف الحساب، ولذا قامت بربط قاعدة التنف مع المثلث السوري العراقي الأردني.
فالتحركات الأميركية الأخيرة في المنطقة مدروسة وتستهدف إعادة دول المنطقة الى هوّة الأزمات، كما أنها عملية استباقية تتابعها أميركا ضدّ المقاومة في العراق وفي سورية ومن ثم استهداف قلب المقاومة في الجمهورية الإسلامية الايرانية وفي سورية.
القواعد الأميركية في سورية والعراق لها هدف استراتيجي وتحاول واشنطن من خلالها، ضرب طوق حول آبار النفط والغاز، فضلاً عن محاولة منع التقاء قوات المقاومة، وتقويض النفوذ الروسي في سورية، وكما هو واضح تتبع الولايات المتحدة نهجاً يعمد إلى دعم وجودها في سورية وتكثيفه في منطقة الشمال الشرقي، حيث تعدّ محافظة الحسكة مركز الانتشار العسكري الأميركي الأبرز في سورية.
ومن الجدير بالذكر أنّ القاعدة الأميركية في الرميلان في الحسكة، تعدّ أهمّ القواعد العسكرية الأميركية في سورية، تليها قاعدة المالكية بريف الحسكة الشمالي الشرقي، بالإضافة إلى قاعدة تل بيدر، وهي إحدى أهمّ القواعد الأميركية نظراً لقربها من طريق «إم 4» الاستراتيجي، كما تتكامل مع قاعدتي «لايف ستون وقسرك».
ومع بداية الحرب في غزة، قامت فصائل المقاومة في العراق وسورية بنسج هدف استراتيجي عنوانه هزيمة الأميركي في سورية والعراق، ومن الواضح أنّ نوعية الاستهداف وتوقيته وفي عمقه، هو لزعزعة الوجود الأميركي عموم المنطقة، والأهمّ أنّ رسائل الاستهداف لا تقتصر على التواجد الأميركي في سورية والعراق فحسب، بل ثمة ما هو أعمق وأدق، ومن هنا فإنّ دخول الحوثيين على خط المواجهة في البحر الأحمر، واستهداف السفن الأميركية والاسرائيلية على السواء، يُجسّد عمق الاستهدافات المتكررة للقواعد الأميركية في سورية والعراق.
وربطاً بما سبق، فإنّ القواعد الأميركية في سورية والعراق واستهدافها، له أهمية تتعلق بـ كسر هذا الطوق الأميركي، والبدء في استهدافه من قبل قوى المقاومة في سورية، وتركيز الضربات على أهمّ القواعد العسكرية، وفي مقدمتها حقل العمر، وكذلك قاعدة كونيكو للغاز الذي تتخذه القوات الأميركية قاعدة عسكرية بريف دير الزور الشرقي، حيث تمّ استهداف القواعد الأميركية بأربعة هجومات متتالية، ما يؤشر إلى أهمية التحوّل في المواجهة مع القوات الأميركية، لتوجيه رسائل لإدارة جو بايدن من أجل وضع قواعد اشتباك تمنع استهداف قوى المقاومة في سورية، والضغط على القوات الأميركية من أجل انسحابها من هناك.

*خبير الشؤون السورية والشرق أوسطية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى