أولى

جبهة البحر الأحمر

بالرغم من كون المشاركة اليمنية في مواجهة العدوان على غزة تتم تحت عنوان جبهة مساندة، فإن جبهة البحر الأحمر تحمل خصوصية وحساسية، لكونها تتصل بالاقتصاد الغربي وموارده وسلاسل التوريد التي يحرص على ضمان سلاستها، سواء في توفير موارد الطاقة من الخليج نحو أوروبا، أو في ضمان مسارات التجارة الاستهلاكية بين أوروبا والصين واليابان وشرق آسيا عموماً.
لم يكن مجرد تفصيل تحوّل المواجهة اليمنية للسفن الإسرائيلية والسفن الذاهبة الى موانئ الكيان، الى مواجهة مع أميركا، فقد صعد المفهوم الإمبراطوريّ لأميركا كدولة محاطة بالمياه على الحجم الاستثنائي لقواتها البحرية وأساطيلها وقدراتها النارية، والربط بين البحار وأمن البحار والطابع العالمي لأميركا ودوائر نفوذها. والبحر الأحمر يعتبر واحداً من أهم الممرات المائيّة في الاستراتيجية الأميركية قبل طوفان الأقصى وبعده.
الفشل الأميركي في تشكيل حلف دولي إقليمي يضم دولاً عربية وإسلامية، وخصوصاً الدول المشاطئة للبحر الأحمر، لم يمنع قيام المدمرات الأميركية من فتح النار على الزوارق اليمنية التي كانت تنفذ قرار منع السفن المتجهة نحو موانئ كيان الاحتلال، تضامناً مع الكيان من جهة، لكن وبصورة أكبر تثبيتاً لمقولة أحاديّة الهيمنة الأميركية على البحر الأحمر.
لم يردّ اليمن بعد على الاستهداف وقد سقط فيه عشرة شهداء، لكن اليمن لم يتأخّر عن مواصلة استهداف السفن، تحت العنوان الأصليّ ذاته، ممنوع عبور السفن نحو الكيان حتى يتوقف العدوان، لكن الاعتراض الأميركي المنتظر كان الغائب الأكبر عن المشهد، وجاء الإعلان عن سحب حاملة الطائرات جيرالد فورد وملحقاتها من مدمّرات وسفن حربيّة، يطرح السؤال حول وجود قرار أميركي بتفادي المواجهة.
عادة يمكن لسحب القطع البحرية أن يكون تعبيراً عن الانكفاء، وخصوصاً حاملات الطائرات التي جلبت تحت عنوان التهديد، لكن يمكن له أن يكون أيضاً تفادياً لإصابتها في أي مواجهة، وهي أهداف سهلة وذات قيمة اعتباريّة عالية في المهابة الأميركية، ولن نعرف أياً من الخيارين اتخذت واشنطن قبل أن نشهد ما قرّره اليمن وبدأ بتنفيذه بمواصلة مهمته التي أخذها على عاتقه، وردود الفعل الأميركية عليها.

التعليق السياسي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى