الحرب تدخل مرحلة جديدة
سعادة مصطفى ارشيد*
منذ بداية حرب تشرين الثانية و(الإسرائيلي) يتوعد قادة حماس بالويل والثبور وعظائم الأمور. وهذا ما حاولت طيلة التسعين يوماً الماضية، وكانت النتيجة ضحايا من الشهداء قارب عددهم الثلاثين ألفاً ومن الجرحى 60,000، أما على صعيد قدرته على اغتيال القادة العسكريين والميدانيين فكان أقصى ما استطاعت آلة الحرب (الإسرائيلية) وأجهزته الأمنية أن تحققه في غزة فكان هدم بيوت بعض من القادة الميدانيين والعثور على حذاء السنوار القديم.
المرحلة الثالثة من الحرب في المنظور السياسيّ والعسكري (الإسرائيلي) تقتضي، وحسب ما هو معلن، بتقليص عدد الجنود في الميدان واعتماد أسلوب القصف المركز من البر والبحر والجو والعمل على تنفيذ عمليات اغتيال للقيادات وتفجيرات الأحياء السكنية وتجمعات اللاجئين الذين فروا من أماكن لجوئهم الأولى إلى أماكن رجوع جديدة وما اغتيال القائد صالح العاروري مساء أول أمس، إلا جزء من تلك التهديدات وامتداد جغرافيّ لعملية الاغتيال، ولكن الامر قد يتجاوز ذلك من حيث مكان الحدث وارتباطه بثلاث مسائل :
المسألة الاولى ان المقاومة اللبنانية استطاعت منذ حرب عام 2006 تحقيق توازن الرعب الذي تمكن من تكريس سياسة رادعة (للإسرائيلي) وبقيت سارية المفعول حتى مساء أول أمس وانتهت باغتيال الشهيد صالح العاروري.
المسألة الثانية ان الأمين العام لحزب الله المعروف بصدقية أقواله كان قد اعلن صراحة في وقت سابق أن أي عملية اغتيال تنفذها «إسرائيل» على الأرض اللبنانية تستهدف قائداً مقاوماً لبنانياً كان أم فلسطينياً ام إيرانياً سيدعو المقاومة اللبنانية لرد قويّ جداً وحاسم.
المسألة الثالثة أن ما تسعى إليه جماعة الحرب في «إسرائيل» هو توسيع ميدان الحرب وتحويلها من حرب يخوضها جيشهم مع المقاومة في غزة الى معركة يخوضها المحور الأميركي الغربي ومعه «إسرائيل» وأصدقاؤها من المطبّعين العرب ضد معسكر المقاومة، الإدارة الأميركية لا تريد ذلك ولكن حكومة الحرب في «إسرائيل» تسعى إلى توريطها، كما لا تبدي طهران او المقاومة رغبة في توسيع الاشتباك، لكن ذلك سوف يعرّض كامل المحور للاستفزاز المتواصل، كما حصل أمس في التفجيرات التي نالت من زوار ضريح الجنرال الراحل قاسم سليماني.
بالتالي، فإن عملية اغتيال الشيخ العاروري كانت ضربة من النوع الذي حطّم معادلة الردع التي تواصلت لمدة 18 عاماً دون اختراق، ومثلت تحدياً لخطاب الأمين العام لحزب الله، ثم ان عملية اغتيال الشهيد العاروري كانت تنفيذاً لطلب سابق من قوائم الأدارة الأميركية التي وضعت اسم الشهيد العاروري على قوائم الإرهاب والشخصيات المطلوب اغتيالها وأعلنت عن جوائز وصلت الى 5 ملايين دولار سوف تدفعها الإدارة الأميركية لمن يقتل الشيخ صالح العاروري أو يدلي بمعلومات من شأنها أن تساعد على الوصول إليه.
الجميع في العالم انتظر طوال الليلة الماضية الردّ من المقاومة. وهذا الرد يجب أن يحصل التزاماً بشعار وحدة الساحات وأن بسبب ما جرى من اغتيال قائد الحرس الثوريّ في سورية والذي يُقال إنه الرجل الثاني بعد قاسم سليماني، ثم ما حصل أول أمس عند اغتيال الشيخ العاروري، العالم بأسره انتظر خطاب أمين عام حزب الله لمعرفة حركة الشطرنج القديمة. قدّم السيد حسن نصر الله تحليلاً دقيقاً أكد فيه أن المقاومة غير مرتدعة بدليل إبلاغ الاسرائيلي للفرنسيين انهم لا يستهدفون حزب الله وإنما حماس، الأمر الذي يعني ضمناً أن الإسرائيلي يعلن أنه ملتزم بمعادلة 2006، وواءم بين الرؤية الاستراتيجية والمصالح اللبنانية وحدّد موانع الحرب التي تريد «إسرائيل» أن تشنها على لبنان. يبدو من الكلام الذي جاء في الخطاب يحمل لهجة لن تمكّن أياً من المستوطنين في شمال فلسطين المحتلة من أن يعودوا إلى بيوتهم وأكد أن العالم لا يحترم إلا القوي وان لا أحد يحمينا الا قوتنا في النهاية. إنها حسابات دقيقة. وإذا شنت «إسرائيل» حرباً فستكون حرباً مفتوحة بلا ضوابط ولا حدود ونحن لا نخشاها وسيندم عليها العدو. المقاومة وعدت والوعد هو الوعد وجريمة اغتيال الشيخ صالح العاروري لن تبقى دون ردّ أو عقاب والميدان هو من سيتحدّث. هكذا تكلم حسن نصر الله.
يرى كاتب المقال أن الرد في هذه الحالة ضروري وهو ليس لأسباب انفعالية أو لما يقوله المغرضون والشامتون. وهو ليس بمنطق الثأر العائلي والعشائري، وإنما بهدف تعزيز وإعادة تشغيل منظومة الردع الاسرائيلي التي لن تتوقف عن توجيه الضربات للمقاومة ومحورها من أجل الدخول في المرحلة الرابعة من الحرب والتي تعني الحرب الشاملة ولن تستطيع سياسات الرصد وبيانات الردّ في الزمان والمكان المناسبين أن تحول دون ذلك.
قد لا يكون من الحكمة الجزم بأن الحرب حتمية، ولكن ذلك هو الاحتمال الأكبر.
*سياسي فلسطيني مقيم في الكفير ـ جنين ـ فلسطين المحتلة.