رحل الشيخ صالح العاروري وبقي ظله قابضاً على البندقية
رنا العفيف
اغتيال القادة في ذكرى استشهاد الجنرال قاسم سليماني، له دلالات خطيرة على مستوى المنطقة، فكيف سيكون الردّ بعد أن فتح الكيان الصهيوني حساب الدم؟
لا شك بأن سياسة الاغتيال، هي برعاية أميركية ينفذها الإسرائيلي، أو الطرفان معاً، ما يعني بأنّ الكيان الإسرائيلي بحاجة ماسة إلى تعويض خسارته التي مُني بها في غزة، وليظهر نوعاً من الاستعراض الوهمي أمام «الإسرائيليين» الذين يتظاهرون ويطالبون بإقالة بنيامين نتنياهو وحكومته الفاشية التي تقتل أسراها، وبالتالي هذا العمل الإجرامي الجبان ما هو إلا محاولة «إسرائيلية» للتغطية على الهزيمة في غزة ولإضعاف محور المقاومة في سورية ولبنان والعراق واليمن وفلسطين وطهران.
الأمر الآخر هو عندما تكون شخصية مثل الشيخ صالح العاروري لها وزن ثقيل في المنطقة وهو أحد أعمدة الوحدة الفلسطينية، وله تاريخ مشرّف من النضال والكفاح، لذا وضعته «إسرائيل» في قائمة اغتيالاتها، وبكلّ تأكيد فإنّ الشهيد صالح العاروري رحل تاركاً ظلّه قابضاً على البندقية، وهو رفيق درب الشهداء سليماني والمهندس ورضي الموسوي وعماد مغنية وغيرهم من القادة الذين طالتهم يد الغدر، ورسموا معادلات المنطقة بدمائهم الزكية الطاهرة ليعطوا المزيد من الزخم على طريق التحرير والصمود والإرادة في تاريخ الحركة المليء بالشهداء القادة على طريق القدس، إذ لم تتوقف المسيرة ولم تتراجع قيد أنملة عن مواقفها، وهي مستمرة في عملياتها ضدّ الكيان الصهيوني الذي يرتكب الإجرام في كلّ مكان ليس فقط في غزة أو في لبنان عاصمة المقاومين،
أيضاً عندما نتحدث عن التوقيت والمكان والأهداف، وعن حسابات نتنياهو بشكل خاص، يعني أنه قام بنقل المعركة إلى الخارج، معتبراً نفسه حقق انتصاراً أو هدفاً في خضمّ الأزمة الداخلية والضغوطات الخارجية التي وضعت قيادة الاحتلال في مأزق كبير، لذلك حاول نتنياهو تصدير هذه الأزمات إلى الخارج، فوقع الاختيار على بيروت بكلّ رمزيتها استناداً لمكان الاغتيال ودلالاته، مع الإشارة إلى أنّ حركة حماس أكدت على لسان رئيس مكتبها السياسي اسماعيل هنية أنّ هذا العمل الإجرامي لن يضعف من المقاومة المستمرة في المواجهة والتصدي للاحتلال…
واللافت أيضاً في السياق عينه هو أنّ هذا الاغتيال هو استكمال لاغتيال المستشار العسكري الإيراني رضي الموسوي، إذ يحمل رسائل عسكرية في سياسة التصعيد بين الحرب الاستراتيجية والعسكرية، بمعنى أنّ الاحتلال الإسرائيلي وأميركا يريدان إيصال رسائل للمحور كله من غزة إلى الضفة إلى بيروت ودمشق وبغداد وصنعاء وطهران بكسر قواعد الاشتباك من خلال هذه الأعمال الإجرامية، لكن هذة المرة الحسابات ستكون مختلفة ضمن معركة الوعي في سياق المعركة المتواصلة بين الاحتلال الإسرائيلي ومحور المقاومة، أيّ هذا الاغتيال أو مسألة الاغتيالات تبقى رسائل متعددة الإتجاهات من الكيان الإسرائيلي الذي يستغل ويستثمر الدعم الأميركي اللامحدود من أجل أن يعيد صياغة المنطقة وفقاً للمفاهيم الهيمنة الأميركية التي تأتي على مقاس الإسرائيلي، وهذا الحدث من وجهة النظر العسكرية يعتبر استهدافاً ممنهجاً للعقيدة وللنهج من غزة وصولاً للضاحية، ولخط المقاومة ولمحبي المقاومة وجمهوره باستهداف المدنيين والقادة وغيرهم سواء في غزة أو الضفة أو في سورية ولبنان والعراق واليمن وطهران وفي كلّ المنطقة، لأنّ ما يجري في قطاع غزة من توحش وإجرام الكيان سيتكرّر هذا في أيّ منطقة عربية تتصدّى للاحتلال وذلك من خلال ما يهدّد ويتوعّد له من تكرار المشهد، لذلك كانت الرسائل مزدوجة في داخل إسرائيل تارة تريد أن تطمئن الجمهور الإسرائيلي أنّ قوتها ما زالت حاضرة رغم كلّ ما يجري في «إسرائيل»، وتعتبر سياسة الاغتيالات هي ضمن سياق سياسة الأهداف وتحقيق الإنجاز والأهمّ من ذلك هو إنشاء صورة إنشائية بالانتصار الوهمي أمام جمهورهم، وبالتالي سيكون هناك ضبط إيقاع جديد لهذة الحكومة التي تعتبر الأكثر إفلاتاً وإجراماً وتطرفاً أمام الانزياح الكبير الذي قد نشهده، وذلك استنتاجاً لما لمسناه من كلّ الأطراف من كلّ فصائل المقاومة الفلسطينية وغيرها في المنطقة حيث يكون المقاومون، بعد أن اتصلت الدماء الزكية في كلّ ساح من ساحات النضال، إذ ما كان معروفاً اليوم غير الذي سنعرفه لاحقاً، وبطبيعة الحال سيكون هناك ردّ مؤلم وفاءً للشهيد صالح العاروري ورفاقه، سنشهد أيادي وطنية موحدة على امتداد الجغرافيا، كما سنكون أمام مرحلة جديدة أكثر صلابة تجاه هول المجازر والتوحش الإسرائيلي الذي دفن كلّ الأعراف والقوانين الدولية مع جثامين الأطفال في غزة، وباغتياله القادة يعني تجاوز «إسرائيل» الخطوط الحمر، في مقابل هذا هناك موقف للمقاومة سواء في فلسطين أو خارجها يعدون العدة للردّ على هذا التطاول على اعتبار أنّ هذا الاغتيال برسم كلّ قوى المقاومة.
الرسالة وصلت وسيكون الرد عاجلاً أم آجلاً وعلى المستوى السياسي والعسكري، والمقاومة لا تلين ولا تنكسر ولن تتراجع عن مواقفها ودعمها المستمر لنصرة غزة وفلسطين.
ومن وجهة النظر السياسية قد يكون لهذا الاغتيال قراءة معنوية تحمل عنواناً بأنّ هذا الاستهداف الخطير هو بمثابة اعتراف إسرائيلي بالهزيمة، لكنها تقول إنها مستمرة في التصعيد لتوسيع دائرة الاشتباك، وهذا لن يؤثر على الميدان بل سيزيد الفعل الميداني للمقاومة في كلّ مكان، وقد نشهد تصعيداً متدحرجاً للردّ على الجرائم الأميركية والإسرائيلية في المنطقة.
ويعلم الكثيرون ماهية وخطورة ما تتعرّض له غزة، إذ هناك رسائل استراتيجية ونارية ليس فقط لغزة وإنما لضاحية بيروت وصولاً إلى صنعاء وكلّ من يحاول تجميع العرب لمواجهة الاستعمار، ليبقى كلّ اعتداء سافر على أيّ شخصية قيادية هو انخراط عسكري في الحرب إلى جانب الكيان، وهذا تطور خطير له مآلات وانعكاسات على «إسرائيل» وداعميها، ولن تفلح سياسية الاغتيالات بشيء، والرسالة الأبرز التي في حعبة المقاومة هي أنّ عدوانكم على فلسطين يعني الاعتداء على بيروت، وعلى الراعي الأول لهذا الاغتيال والاستهداف أن يتحضّر ويتجهّز لما هو آتٍ وفقاً لمعادلات التي رسمتها المقاومة ومحور المقاومة في المنطقة.