عندما يكون القائد في قمة الحكمة والمسؤولية!
د. عدنان منصور*
كثيرون في لبنان والخارج كانوا عن حسن نيتهم، واندفاعهم الوطني وحماسهم العفوي، على قناعة تامة من أن الأمين العام السيد حسن نصر الله سيفتح أبواب الحرب على مصراعيها ضد «إسرائيل»، وذلك انتقاماً منها، بعد جريمة الاغتيال التي نفذتها دولة الإرهاب بحق القيادي في حماس صالح العاروري وعدد من رفاقه. كثيرون أيضاً ممن يناصبون بسلوكهم ومواقفهم العداء للمقاومة، ويضعون أنفسهم في خدمة قوى الهيمنة وسفاراتها، ويختزنون في داخلهم كمّاً كبيراً من الكراهية، والحقد الأعمى، والبغض الشديد لكلّ من يتعارض مع سياستهم، ويرفض التعامل مع الغرب وحلفائه، ولا يتماشى مع توجهاتهم وأهدافهم ونهجهم، حيث يرون فيهم «أنموذجاً مثالياً يُحتذى» للحرية والسلام، ورمزاً حياً للديمقراطية، والتقدم وحقوق الإنسان.
هؤلاء ما كانوا على الدوام إلا بوقاً وعملاء للغرب، ولم يكونوا يوماً مع عزة وسيادة وطن، وآمال شعب، ولا مع تحرير أرض، وكرامة أمة. إذ جعلوا أنفسهم أداة طيعة، واحتياطاً حين تدعو الحاجة لدى مُوجّهيهم، ومُحرّكيهم، ومُعلفيهم، وأولياء نعمتهم، وهم يتبعونهم في كلّ صغيرة وكبيرة دون رادع أو حياء أو خجل. فإذا تصدّت المقاومة لـ «إسرائيل» يتهمونها على الفور بجرّ لبنان الى الحرب والدمار، ثم يرفعون أصواتهم مطالبين بتنفيذ القرار 1701 فوراً، فيما هم يتغافلون ويتجاهلون كلياً عن عمد، واقع الاحتلال وخطره، وآلاف الخروقات والاعتداءات الإسرائيلية المتكررة على السيادة اللبنانية، حيث لا ينفكون عن التشدّق بها، مبدين غيرتهم و»حرصهم الشديد» عليها في كلّ مناسبة، مطلقين حملات إعلامية شرسة مغرضة ضدّ المقاومة، متجاهلين الحقائق والوقائع، والأصول. فإذا ما قيّم الأمين العام، الأوضاع والظروف في حينها، – وهو الأدرى بالمعطيات، والأعلم بها – واتخذ قراره الذي ينمّ عن بعد نظر، وعن قوة لا عن ضعف، وزانه بحكمة، ومسؤولية، وشجاعة عالية، تراهم يصابون بالإحباط، ومن ثم يوجهون اليه السهام المسمومة، ويقومون بحملات إعلامية شرسة مغرضة ضدّه، بسبب عدم ردّه على ما وعد به في ظروف سابقة لها حيثياتها وخصوصياتها المعينة. هم يريدون إبداء «غيرتهم» المنافقة، في الوقت الذي يتمنّون في داخلهم أن تتورّط المقاومة وتتهوّر، للنيل منها في ما بعد، دون أن تحسب حساباتها الدقيقة وهي في مواجهة العدو الاسرائيلي. كما أنّ وسائل الإعلام المعادية للمقاومة في الداخل والمحيط، والخارج، همّها تسليط الضوء والتذكير بعدد شهدائها الذين ارتقوا أثناء المعارك، وذلك للنيل من صلابة، وقوة المقاومة ومكانتها، ومعنوياتها. علماً انّ هؤلاء الحمقى القيمين على هذه الوسائل الإعلامية، يعرفون جيداً انّ المقاومة تعتز بشهدائها وتفخر بهم، وتعلن أسماءهم علناً، وتشيّعهم بمآتم مهيبة بما يليق بالشهداء الأبطال.
من تابع خطاب الأمين العام السيد حسن نصرالله بتجرد، وموضوعية، وعقلانية، وحسّ وطني، وضمير حي، بعيداً عن المزايدات والانفعالات الشخصية، والانتماءات السياسية، والحسابات الضيقة، والمواقف الخلفية المسبقة، ومن رصد مجريات الأحداث وتطوراتها الميدانية العسكرية على الأرض، التي شهدتها جبهة الحدود الجنوبية اللبنانية – الفلسطينية المحتلة، بين المقاومة وجيش الاحتلال الإسرائيلي منذ 8 تشرين الثاني عام 2023، بالإضافة إلى متابعة الإعلام العالمي، والمراقبين السياسيين والعسكريين الحياديين، سيجد نفسه فعلاً أمام قائد مسؤول متميّز، يتحلى بالبصيرة الحادة، وببعد النظر، والحكمة، والقيادة الى حدّ بعيد، حيث يعرف بإدراكه للأمور، وبمسؤوليّته العالية متى، وكيف، وأين يخطو خطواته الثابتة على الأرض، ومتى يقدم ويفاجئ العدو بحسابات مدروسة دقيقة، دون أن يترك له الفرصة كي يأخذ المبادرة.
إنّ الذين يأخذون على الأمين العام، بخبث او بحسن نية، أو بعفوية، عدم ردّه السريع الواسع على العدو الاسرائيلي، عليهم ان يدركوا بعقولهم، أنه أثناء الحرب، وفي أحلك الظروف يتميّز القائد المسؤول بذكائه، ودهائه، وحنكته، وبعد نظره، وشجاعته، واختياره التوقيت المناسب لجهة اتخاذه القرار السليم وهو في مواجهة العدوان الاسرائيلي.
إنّ مواجه العدو الصهيوني ومَن معه من حلفاء، وعملاء، ومرتزقة، ومأجورين، مواجهة طويلة ومستمرة، ولن تتوقف ما دام الاحتلال الاسرائيلي محتلاً أرض فلسطين وأراضي عربية، يهدّد وجود المنطقة وشعوبها وأمنها القومي.
متى سيفهم القادة «الإسرائيليون»، ويخرجون من غبائهم وحماقتهم وجرائمهم الهمجية، ويقرّون بأنّ الاغتيالات التي ينفذونها بحقّ القادة المقاومين لدولتهم الإرهابية المحتلة لن تجدي نفعاً، وأنّ سياسة الأرض المحروقة التي يتبعونها، والإبادة الجماعية التي ينفذونها بحق الفلسطينيين لن تقضي على إرادتهم ومعنوياتهم الفولاذية، وإصرارهم على تحرير أرضهم مهما طال الزمن؟
انّ أسلوب التهديد والتهويل والتخويف الإسرائيلي ضدّ لبنان، ترى فيه المقاومة الباسلة بمثابة فقاقيع وزبد. إذ أنّ من وهب نفسه للشهادة، لا يخاف من اغتيال او موت، وانّ المقاومين الذين قرّروا مقارعة المعتدين في عقر دارهم، يعرفون جيداً ومسبقاً الثمن الذي يتوجب عليهم دفعه. فلا حرية، ولا كرامة ولا حياة لشعب في ظلّ الاحتلال. وهذا ما يؤمن به المقاومون الأحرار، وهم يدفعون الثمن غالياً من أجل حريتهم، وحفاظاً على وجود وطنهم، وكرامة شعبهم، ومستقبل أجياله.
إنّ المنازلة مع دولة الإرهاب والاحتلال مستمرة، والمقاومون الأسطورة، لن يلينوا ولن يستكينوا ما دام فيهم عرق ينبض. فلا آلة الدمار، ولا سياسة الإبادة والقتل، والتهجير، والتجويع، والتعذيب التي أدمنت عليها دولة الإرهاب، تستطيع ان تقضي على إرادة المقاومين. وما على «إسرائيل» إلا ان تنتظر المصير المذلّ كالذي لاقته الولايات المتحدة في فييتنام، وفرنسا في الجزائر.
بعد أن يتوقف العدوان الإسرائيلي على غزة ولبنان، سيعرف أعداء المقاومة، من عملاء ومأجورين وعبيد، تداعيات الحرب ونتائجها على «إسرائيل»، وهشاشة بقائها، وهم الذين يتمنون ويراهنون مع أسيادهم على سحق المقاومة الى أبعد الحدود، وأياً كانت الوسيلة للقضاء عليها نهائياً، كي تتحقق أهداف التحالف القائم ضدّ المقاومة بين صهاينة الداخل وصهاينة الخارج…!
*وزير الخارجية والمغتربين الأسبق