تحرير فلسطين بات أقرب مما تتوقعون
د. عدنان نجيب الدين
عندما وصف الإمام السيد موسى الصدر الكيان الصهيوني بأنه شرّ مطلق، ووصفه الإمام الخميني في ما بعد بأنه غدة سرطانية، لم يكونا يطلقان مجرد كلام إنشائي بل كانا يعبّران عن حقيقة هذا الكيان وطبيعته وجوهر وجوده. فهذا الكيان لم يكن منذ نشأته ليكتفي باغتصاب فلسطين وطرد شعبها منها وتشريده خارج أرضه، بل كان ولا يزال مشروعاً استعمارياً توسعياً يريد أن يبتلع منطقتنا العربية بأكملها للسيطرة عليها وإخضاع شعوبها، سواء بقوة الاحتلال المباشر، أو بدعم قيام أنظمة سياسية فاسدة تنفذ مشروعاته بهدف نهب خيرات الأمة العربية والتحكم بمستقبلها لتبقى أمة متخلفة عن ركب الحضارة، ولكي تظلّ محتاجة إلى الغرب باقتصادياتها، فتكون مجرد سوق استهلاكية لمنتجاته الصناعية وغير الصناعية.
ولذلك كان لا بدّ من مواجهة هذا الشر بالمقاومة لاستئصال تلك الغدة السرطانية حتى لا يستشري خطرها ويستفحل شرّها ويصيب باقي أعضاء جسد الأمة، فيصيبها بالعجز الدائم عن اللحاق بالتطور العلمي والاجتماعي، فيكبّل حركتها التحررية ويهدّد حاضرها ومستقبلها ويقضي على كلّ أمل لشعوبها بالحرية والاستقلال والتعاون بين شعوب المنطقة لإدارة مواردها الطبيعية بنفسها وتحقيق أمنها الذاتي دونما تدخل أجنبي، وبالتخطيط لمشاريع إنتاجية تؤمّن لها التقدم والازدهار.
وعندما قامت المقاومة الفلسطينية بعملية “طوفان الأقصى” ضدّ جيش الاحتلال الصهيوني لتحرير الأسرى وفك الحصار عن قطاع غزة الذي يعاني أهله من كلّ أنواع العذاب والحرمان جاءت الحرب العدوانية التي شنها الجيش الصهيوني، ضدّ أهالي القطاع في محاولة منه لتهجيرهم منه وصولاً الى محاولة إبادتهم من خلال هدم مساكنهم وقصف مستشفياتهم ومدارسهم ودور العبادة وقطع شرايين الحياة عنهم بإيقاف ضخ المياه عنهم ووقف امدادهم بالوقود والكهرباء.
وأمام هول ما يجري من جرائم موصوفة بحق شعب غزة وهي جرائم ضدّ الإنسانية، نرى، وللأسف، بعض الأنظمة العربية متخاذلة عن نصرة شعب فلسطين وكذلك نرى تواطؤ أنظمة الغرب مع الكيان الصهيوني على توفير كلّ الدعم له في حربه على الشعب الفلسطيني في غزة من خلال تمكينه بالسلاح والدبلوماسية من قتل الأطفال والنساء والشيوخ والمدنيين العزل دون أن تحرك المنظمات الدولية ساكناً، أو تتخذ قراراً حازماً لوقف هذه المذبحة الإجرامية. وما يثير غضب الجماهير العربية هو أنّ أداء الأنظمة العربية المطبعة مع هذا الكيان المجرم متخاذل إلى أبعد الحدود، وهذا غريب عما عرف به العرب من نخوة ومروءة ونصرة المظلوم، فلم تهدّد الاحتلال بتحريك جيوشها ولا حتى بطرد سفرائه من عواصمها وقطع العلاقات معه، بل نرى استسلاماً منها كما لو أنّ شعوبها خراف يريدون منها أن ترى الجزار يذبح شعباً شقيقاً لها وعليها ألا تبدي أيّ انفعال او تعاطف او مؤازرة، وكأنها تنتظر وصول السكين إلى أعناقها مسلمة للجزار الصهيوني بمصيرها. وعلى شعوب الأمة العربية وشعوب المنطقة أن تعلم بأنّ هذا الكيان الصهيوني هو خطر عليها كلها.
إنّ ما قام به جيش الاحتلال الصهيوني في حربه المدمّرة على غزة ليس إلا من عمل العصابات المجرمة التي ترتكب المجازر بحق الأطفال والنساء والمدنيين، فتقتل عشرات الآلاف منهم بلا أدنى حسّ إنساني ولا ايّ رادع أخلاقي. وهكذا ظهرت عقيدته الإجرامية التي كان يحاول إخفاءها طيلة العقود الماضية من السنين، من خلال إظهار نفسه كدولة حضارية ديموقراطية تحترم حقوق الإنسان وأنه داعية سلام مع شعوب المنطقة، وكان الغرب المنافق يساعده على تلميع هذه الهوية ليبرر وجوده في منطقتنا العربية المتهمة بالتخلف عن ركب الحضارة الغربية، لكن أعماله الإجرامية هذه أظهرت بشكل جلي هويته الحقيقية التي هي عقيدة التوراة المزوّرة وتلمودهم المكتوب بأيدي أحبارهم وحاخاماتهم القذرين. ويكفي ما شاهدناه ونشاهده على التلفاز من أعمال القتل والتعذيب والإبادة بحق شعب غزة الصابر الثائر المناضل، في مقابل ما ذكره الأسرى الفلسطينيون، ومنهم الأطفال المعتقلون، كيف جرت معاملتهم من قبل العدو حيث ارتكبت بحقهم شتى أنواع التعذيب، وما أدلى به الأسرى الصهاينة لدى فصائل المقاومة الفلسطينية من حسن معاملة عناصرها لهؤلاء الأسرى، وكيف كانوا يمتدحون حسن المعاملة هذه من قبل آسريهم، فلم يبخلوا عليهم لا بالطعام ولا بالدواء ولا بالرعاية الصحية التي كانت تؤمّن لهم ولا سيما للنساء، كيف لا، والنصوص القرآنية تؤكد على حسن معاملة الأسير كما ورد في القرآن الكريم سورة (الانسان): وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَىٰ حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا (8) إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا (9)
أما السيد المسيح فيقول كما ورد في إنجيل متى:
وَأَمَّا أَنَا فَأَقُولُ لَكُمْ: أَحِبُّوا أَعْدَاءَكُمْ. بَارِكُوا لاَعِنِيكُمْ. أَحْسِنُوا إِلَى مُبْغِضِيكُمْ، وَصَلُّوا لأَجْلِ الَّذِينَ يُسِيئُونَ إِلَيْكُمْ وَيَطْرُدُونَكُمْ،” (متى 5: 44).
في المقابل، ماذا نرى في توراتهم المزوّرة التي يعتبرونها كتابهم المقدس؟ نرى في أسفارها دعوات إلى قتل الأطفال حتى الرضع منهم، والى حرق المدن وكذلك قتل النساء والرجال وعدم توفير حتى البهائم.
جاء في صموئيل في سِفره: “إيَّايَ أرْسلَ الرَّبُّ لِمَسْحِك مَلِكًا على شَعْبِه… فالآنَ اذْهَبْ واضْرِبْ عَمَالِيقَ، وحَرِّمُوا كُلَّ ما لَهُ، ولاَ تَعْفُ عَنْهُمْ؛ بَلِ اقْتُلْ رَجُلاً وامْرَأَةً، طِفْلاً ورَضِيعًا، بقَرًا وغَنَمًا، جَمَلاً وحِمَارًا” 15:4.
اننا نسرد هذه النصوص الدينية فقط لكي لنبرز الفروقات الثقافية التي تفصل بيننا وبين هؤلاء المجرمين المحتلين الغاصبين لحقوقنا في فلسطين. فثقافتنا هي ثقافة محبة وعدل وتسامح وحياة، أما ثقافتهم فهي ثقافة قتل وكراهية واغتصاب. هكذا هم الصهاينة: إلغائيون، عنصريون، متوحشون قتلة ومجرمون. وهذه الصهيونية هي صناعة غربية ومشروع استعماري استيطاني لا شرعية له على أرضنا ولا بقاء. ومع ذلك نقول: اننا طلاب عدالة وسلام. لا نريد أن نقتلهم عندما يتوقفون عن قتلنا.
كلّ ما نريده هو أن يعودوا من حيث أتوا، أيّ إلى البلدان التي جاؤوا منها. ونقول للأنظمة الغربية المتواطئة معهم: اليهود يقولون انهم تعرّضوا للاضطهاد في بلادكم على مدى قرون من الزمان، وانتم جئتم بهم إلى بلادنا أيّ إلى فلسطين، وأقمتم لهم كياناً مسلحاً بكلّ أنواع الأسلحة لترهبونا وتدمّروا بلادنا وتسلبونا حقوقنا في أوطاننا ولنهب ثرواتنا. وتريدون منا نحن العرب أن ندفع ثمن جرائمكم ضدّهم كما يدّعون، وأن نقبل بسرقاتكم لمواردنا. ونحن نرفض هذا الأمر. ولا نريد منكم إلا أن تتركونا ندير أمورنا بأنفسنا. وإنْ أردتم الحفاظ على مصالحكم في المنطقة فعليكم أن تكفوا عن دعم هذا الكيان الغاصب المتداعي الذي انتهت صلاحيته وأصبح عبئاً عليكم ولم يعد ينفعكم، فالزمن تغيّر، والعصر اليوم، عصر المقاومة الواعية الحكيمة القوية المقتدرة والرافضة لأية هيمنة على بلادنا.
انّ فلسطين والقدس بصورة خاصة هي أرض محبة وعدل وسلام وتسامح. لا نريدها ساحة حروب ولا نريد فيها جسماً غريباً عنها هو هذا الكيان الصهيوني المصطنع الذي ستلفظه منطقتنا طال الزمن أم قصر. ولعلّ الحرب التي شنها هذا الكيان الغاصب على فلسطينيّي غزة هو بداية زواله عن أرضنا المقدسة.
يقول أنطون سعاده: “نحن لسنا أمة حقيرة، قليلة العدد، فقيرة الموارد، معدومة الوسائل. نحن أمة قوية عظيمة: قوية بمواهبها، غنية بمواردها، نشيطة بروحها”.
لقد أظهر الشعب الفلسطيني إرادة وعزماً ومقاومة باسلة وروحاً جهادية عالية منقطعة النظير وتصميماً على استعادة أرضه، مدعوماً من حركات المقاومة في منطقتنا، وهذه المقاومة التي هي حركة تحررية تمتدّ من الجمهورية الإسلامية في إيران إلى العراق ولبنان وسورية واليمن وفلسطين هي تيار جارف لن يقف مدّه وسوف يؤدّي إلى تحرير فلسطين من البحر الى النهر والى استعادة حقوق الشعب الفلسطيني على كامل أرضه، والى عودة اللاجئين الى وطنهم وممتلكاتهم، وقد أصبحت هذه العودة قريبة كما أصبح تحرير كامل فلسطين أقرب مما يتوقع الكثيرون…