الغرق في رمال غزة…
أحمد عويدات
لقد بات واضحاً في الآونة الأخيرة لأيّ متابع لمجريات ومراحل الحرب على قطاع غزة وقبل رحيل العام 2023، أن ثمار الضغط الأميركي «البايدني» بدأت تؤتي أكلها؛ وذلك من خلال جملة من الإجراءات الميدانية لمجلس الحرب الإسرائيلي يعلن فيها عن البدء بالمرحلة الثالثة من حملته العسكرية الواسعة.
إنّ أبرز هذه الإجراءات كان سحب خمسة ألوية من جنود الاحتياط من قطاع غزة تمهيداً لتسريحهم بهدف إعادة تشغيل عجلة الاقتصاد المتهاوي نتيجة ثلاثة أشهر من الحرب المدمرة والشرسة على الفلسطينيين، والتي بلغت كلفتها حتى الآن بحسب حاكم البنك المركزي الإسرائيلي ما يزيد على 58 مليار دولار .
وما انخفاض وتيرة توغل القوات الإسرائيلية الواسعة المناورة – نسبياً – والهادف إلى التقليل من الخسائر البشرية في صفوف الضباط والجنود بفعل العمليات النوعية التي يباغتهم بها رجال المقاومة من خلف خطوطها وعبر الأنفاق، يأتي في المقام الثاني من الإجراءات المتخذة.
ويندرج أيضاً في هذا السياق، إعادة تموضع هذه القوات في مواقع جديدة أقلّ خطورة من ذي قبل ولتمكينها من إحراز صورة نصر عسكري من خلال قيامها بهجمات محدودة وتطهير المناطق التي تسيطر عليها؛ وهذا ما يشكل تحدياً كبيراً وخطيراً لهذه القوات.
ومن المتوقع في هذه المرحلة، أن تعتمد القوات الإسرائيلية على وحدات الهندسة والتقنيين واستخدام الروبوت والوسائط الأخرى لتخفيض أعداد القتلى الإسرائيليين.
إنّ أهمّ ما يميّز المرحلة الثالثة، هو انتقال قوات الاحتلال الغازية من مرحلة القصف العشوائي المكثف والباهظ الثمن عليها إلى القصف المحدّد والمستهدف سواء بقذائف الدبابات والمدفعية أو المُسيّرات والطائرات الحربية والعمودية، وهذا ما يؤكده الإعلام العبري وعلى لسان المحلل العسكري الإسرائيلي عامود هارئيل.
ولعلّ العودة إلى سياسة الهجمات السرية والاغتيالات والتي أسفرت عن اغتيال الشيخ صالح العاروري نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس واثنين من قادة كتائب القسام وأربعة كوادر آخرين في ضاحية بيروت الجنوبية، ثم القيادي البارز في حزب الله وسام الطويل، لعلّها دليل قاطع على انتقال المحتلّ الإسرائيلي إلى الاستهداف المحدّد والنوعي والذي من شأنه أن يصرف الأنظار عما يرتكبه من جرائم ومجازر بحق المدنيين العزل سواء في قطاع غزة أو مخيمات الضفة الغربية، وينذر بإتساع الحرب شمالاً على الجبهة اللبنانية وفي الوقت ذاته لا ولن تتعرّض هذه السياسة إلى الإدانة او الاستنكار من قبل الدول الغربية؛ على اعتبار أنه استهداف للإرهاب على حدّ زعمهم.
والسؤال الذي يبرز هنا، هل ترضي هذه السياسة الإدارة الأميركية التي تحاول ضبط إيقاع الحرب بما لا يؤثر على الداخل الأميركي والناخب الأميركي وتصويته لمرشح الحزب الديمقراطي الرئيس بايدن؟؟
من ناحية أخرى، إنّ الوضع الميداني الحالي في قطاع غزة يشير إلى أن هذه المرحلة لربما تمتدّ إلى سنة أو أكثر، وهذا يعني أنّ هناك ما يشبه حرب استنزاف تتخذ اسلوباً مغايراً للحرب التقليدية ستشنّ ضدّ رجال المقاومة وسط حديث لقادة الحرب عن إقامة مناطق عازلة بعمق يصل إلى 2-4 كم وعلى طول الحدود بين قطاع غزة ومستوطنات الغلاف. وهذا بدوره يحتاج إلى وجود أعداد كبيرة من القوات الإسرائيلية للدفاع وصدّ أيّ هجوم فلسطيني محتمل تكراراً لما حصل في 7 أكتوبر «أم المعارك الفلسطينية»، وأيضاً ما يمكن هذه القوات من تشكيل سياج أمني يطمئن المستوطنين كافة ويحدّ من هجرتهم المعاكسة إلى الخارج.
أخيراً، هناك ثمة تساؤلات مشروعة؛ هل ستنجح المرحلة الثالثة بتحقيق أهداف نتنياهو ومجلسه الحربي وأبرزها تحرير المحتجزين لدى المقاومة؟ أم هناك مرحلة رابعة وأخرى خامسة؟
وهل ستنجح هذه المرحلة برأب الإنقسام الداخلي الإسرائيلي؟؟
وهل ستغيّر هذه المرحلة من تبعات المشهد السياسي فلسطينياً و»إسرائيلياً» وإقليمياً خاصة مع جولة وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن في المنطقة؟
لربما تأتي الإجابة الشافية في الأيام المقبلة.