نتائج زيارة بلنكن الرابعة
سعادة مصطفى أرشيد*
بدا واضحاً بعد فترة قصيرة من اندلاع حرب تشرين الثانية، أن ملف متابعة الحرب لدى الإدارة الأميركية قد سحب من وزارة الخارجية ووزيرها بلينكن لحساب وكالة المخابرات المركزية باعتباره ملفاً أمنياً في الدرجة الأولى، ولكن ما بقي بيد الوزير بلينكن هو إدارة حملة علاقات عامة مع شركاء واشنطن الإقليميين والعرب. وهو الأمر الذي يمكن أن نلاحظه عند متابعة جولته الرابعة منذ اندلاع حرب تشرين الثانية، فهو يتكلّم في كل عاصمة حسب ظرف المكان، الأمر الذي جعل من تصريحاته تبدو شديدة التناقض.
في زيارته الأولى فور اندلاع الحرب قال إنه يأتي الى «إسرائيل» بصفته يهودياً، اما في هذه الزيارة فهو يقول إن الداعي لها هو العمل مع شركاء بلاده للحيلولة دون اتساع رقعة الحرب وتحوّلها من حرب محدودة بين «إسرائيل» وغزة الى حرب إقليمية، ثم العمل معهم من اجل الضغط على المقاومة لإطلاق سراح من أسرتهم ولا زالوا بين أيديها.
مما لا شك فيه أن خطر اتساع دائرة الحرب قائم بشدّة، الأمر الذي ينتظره كثيرون برغبة، ومن هؤلاء الحكومة (الاسرائيلية) التي تريد الاستفادة من وجود الأساطيل الغربية والتي ترى أنها فرصتها التي قد لا تتكرر لزج واشنطن وحلف شمال الأطلسي بالحرب ميدانياً لا من خلال الدعم العسكري والإسناد السياسي فقط، ومن هؤلاء المقاومة في غزة ومعها شعبها المكلوم الصامد الذي ينتظر من أصدقائه وحلفائه المشاركة وتخفيف الضغط على غزة بفتح جبهات أخرى، أو على الأقل بالعمل على توفير دعم إنساني لهم بما يعزّز من صمودهم؛ في حين يخشى من اتساع دائرة الحرب كثيرون وعلى رأسهم الولايات المتحدة التي تعاني في أكثر من مكان في العالم وترى أدواتها تتهاوى كما في النموذج الأوكراني، والغرب الأوروبي الذي أرهقته أزمة الغاز المرتبطة بالحرب الروسية الأوكرانية فيما تسبب له ازمة اللجوء مشاكل مالية واقتصادية واجتماعية، فقد كان اغتيال الشيخ صالح العاروري وفي الضاحية الجنوبية تجاوزاً إسرائيلياً للضوء الأشد احمراراً وكسراً لسياسة الردع التي كرّستها المقاومة عام 2006، ثم ما تبعه من اغتيال لقادة في المقاومة اللبنانية الأمر الذي ألهب جبهة الشمال المشتعلة أصلاً وقد سبق ذلك النشاط الذي تقوم به اليمن في البحر الأحمر وآثاره البالغة على الملاحة وتكاليف النقل عموماً، ثم خصوصاً تلك الشحنات المتجهة الى ميناء إيلات، ولحقت ذلك الهجمات التي تستهدف القوات الأميركية في العراق وشرق الفرات ثم مطالبة رئيس الوزراء العراقي (محمد شياع السوداني) القوات الأميركية بمغادرة بلاده.
حاول الوزير الأميركي أن يطمئن الأردن من خطر التهجير القسري، ولكنه أغفل الحديث عن التهجير تحت ضغط القتل والدمار والذي هو وجه آخر للتهجير القسري، وأكد أنه يعمل على وقف الحرب والتقليل من استهداف المدنيين، فيما تناثرت تصريحاته وكأنّه يوزع العمل والمهمات لدول المنطقة فمن يعمل على صفقة تحرير الأسرى المحتجزين لدى المقاومة ومن يدفع لإعادة الإعمار في غزة بعد الحرب، ولكنه في تل ابيب عاد وبدا (إسرائيلياً) أكثر من (الإسرائيليين)، فعاد ليقول إن الحرب يجب أن تتواصل حتى تحقق الأهداف التي اعلن عنها نتنياهو وهي القضاء التام على المقاومة وإطلاق سراح الأسرى بالقوة وإعادة تشكيل قطاع غزة بحيث تنعدم إمكانية وجود أي شكل من أشكال المقاومة في المستقبل بما يهدد أمن «إسرائيل» وبالطبع بما يحول دون عودة الإسرائيليين الهاربين من غلاف غزة الى مكان إقامتهم قبل الحرب.
نتائج زيارة بلينكن للعواصم المختلفة كانت كلاماً في كلام. وكما سبق القول ليست الا علاقات عامة، وان أحبت بعض العواصم أن تصدقه اما مجاملة واما خوفا من واشنطن او حاجة اليها، ولكن الفلسطيني شاهد بأم العين نتائج مختلفة، شاهد جنون العمليات العسكرية في غزة التي استعرت قتلاً وهدماً وإحراقاً، وما المرحلة الجديدة من الحرب الا مرحلة سوف تكون أشد دمويّة وبربريّة وبطشاً من مراحلها السابقة لا في غزة فقط وإنما على جبهات عدة وأهمها لبنان التي وصل القصف (الاسرائيلي) الى صيدا. وفي الضفة الغربية فقد اجتاحت القوات (الإسرائيلية) فجر امس الأربعاء مدن شمال الضفة طولكرم ونابلس وجنين التي دمّرت شوارعها وبنيتها التحتية وأقامت القوات «الإسرائيلية» السواتر الترابية على جميع مداخل مدينة جنين.
الحرب لا زالت طويلة، و»الإسرائيلي» وان كان يتحمل أكلافاً لم يعتد عليها سابقاً إلا أنه مستعدّ للاستمرار بالقتال، فهي حرب وجود، «حرب الاستقلال» الثانية عنده. وهي بالمقابل عندنا، تحتاج إلى صمودنا وثباتنا فهي بالنسبة لنا حرب بقائنا.
*سياسي فلسطيني مقيم في الكفير – جنين – فلسطين المحتلة.