حرب الحقيقة… «إسرائيل» في أدنى مستوى
نمر أبي ديب
حسم معركة غزة لصالح «إسرائيل» أمر بعيد المنال، بل هو مستحيل فعلياً، مهما كان حجم أو مستوى الوجود الأميركي في المتوسط، وهو وجود ليس الهدف منه سوى رفع معنويات الإسرائيليين وتقديم الدعم السياسي لحكومة بنيامين نتنياهو، لا أكثر ولا أقلّ.
هذه خلاصة تختصر المشهد الفلسطيني، وتعكس بشكل واضح ومبسَّط واقعية «حرب غزة»، كما وصفها المعلق العسكري رون بن يشاي، الذي قدم على مسرح العجز الميداني مسبّبات الفشل العسكري بقراءة ميدانية أكَّد من خلالها «المعلق العسكري»، على أكثر من معطى داخلي ومسار وجودي استراتيجي تلمس بصورة مباشرة وأخرى غير مباشرة، التنامي الفعلي والحقيقي لمجمل العوامل الداخلية الضامنة على مسار «الانقسام العمودي» الذي يعيشه اليوم كيان الاحتلال الاسرائيلي حتمية الانجرار والدخول في «حرب داخلية»، توفرت لها جميع العوامل على أكثر من مستوى أمني سياسي وعسكري، مقدمات التفكك الضمني والتصادم الشعبي والمؤسساتي، كما الخروج القسري من عناوين عديدة شرق أوسطية يتحكم فيها الجانب الأميركي.
ما تقدّم عامِل مؤسس لقراءة، وأيضاً لمقاربات «إسرائيلية» مختلفة تلحظ على مستوى المصارحة السياسية الأمنية وحتى العسكرية مجمل الحقائق الميدانية التي سطرتها وما زالت حرب غزة، ما تقدَّم يلحظ بشكل جدي ومباشر وضع الكيان المأزوم، الغير قادر على النهوض من كبوته الوجودية، رغم المؤثرات الخارجية الداعمة، وأيضاً رغم الأساطيل الأميركية الفاقدة للوجهة، وأيضاً للفعالية في ظلّ الخطاب المتقلب الذي انتهجه الرئيس الأميركي جو بايدن، يضاف إليه موازين القوى الشرق أوسطية، التي فرضت على «إسرائيل» ومعها الولايات المتحدة الأميركية قواعد اشتباك جديدة، معقدة لم تكن القوات الأميركية المتواجدة في كلّ من «سورية والعراق» بمنأى عن تداعياتها الأمنية والعسكرية.
من يقرأ جيداً في ضمنية المشهد العسكري الذي رسمته وما زالت «حرب غزة» يتلمّس بشكل واضح حجم الفراغ المتنامي ما بين ثلاثية: الثقة الشعبية التي يمنحها كيان الاحتلال، القرار العسكري الذي يختصره رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو، والموقف العالمي الذي وجد في استمرارية حرب غزة، مظلومية فلسطينية» تختصر «جريمة حرب» وتحاكي من زوايا مختلفة تحوُّلاً ميدانياً بلغه كيان الاحتلال نتيجة العجز الاسرائيلي عن تحقيق الأهداف العسكرية المعلنة منذ بدايات حرب غزة، يُضاف إليها موقف نتنياهو المطالب والكلام للقناة 13 الإسرائيلية بتأجيل جلسات محاكمته بتهم الفساد لانشغاله في إدارة حرب غزة.
بعيداً عن السياسات الاعتباطية، والمواقف التصعيدية التي تمارسها وتطلقها «إسرائيل» ضمن بروباغندا إعلامية وأيضاً ميدانية مضللة للرأي العام «الإسرائيلي كما الدولي، برزت حقائق جوهرية تحاكي من منظار عددي المدى الأقصى لفاعلية الجيش الإسرائيلي، وتلك حقيقة قاتلة وضعت «كيان الاحتلال مع جيشه الذي يُقهر» في خانة «السقوط الحتمي»، انطلاقاً من عجز القوى العالمية وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأميركية عن تحديد الحجم الفعلي للفورة الفلسطينية التي سبقها تعاظم قوى عددي وأيضاً عسكري لقوى المقاومة وفي طليعتها حزب الله ما يؤكد من وجهة نظر متابعة لمتاهات حرب غزة، على حتمية وجودية تلمّستها بشكل أو بآخر إدارة جو بايدن، التي بدأت ترى في شيخوخة كيان الاحتلال، وأيضاً في عجزه العسكري استثماراً أمنياً، عسكرياً، وسياسياً خاسراً على مستوى المنطقة، وأيضاً على مستوى مندرجاتها الميدانية، والحديث يشمل البحر الأحمر، وغيره من النقاط الاستراتيجية، على كامل المساحة الشرق أوسطية.
تحت عنوان (شهد شاهد من أهلها)، وانطلاقاً من ما تضمّنته الصحف العبرية تحديداً يديعوت أحرنوت، التي نقلت وصف الكاتب الإسرائيلي ناحوم برنياع لأهداف حرب غزة، حين اعتبر أنّ أهداف رئيس وزراء اسرائيل بنيامين نتنياهو (أمنيات متوقعة، وليست أهدافاً قابلة للتنفيذ…)، مروراً باعتراف رئيس أركان الكيان هرتسي هليفي الذي أكد بأنّ الأهداف العسكرية لـ»حرب غزة» ليس من السهل تحقيقها، وصولًا إلى الموقف الذي أدلى به السفير الاسرائيلي لدى أميركا مايكل هرتسوغ لشبكة سي أن أن الأميركية، حين أعلن (أنّ إسرائيل مستعدة لوقف القتال في غزة، مقابل الإفراج عن أكبر عدد ممكن من الأسرى المحتجزين لدى حماس) وصولًا أيضاً إلى ما عُرف بالمكالمة الصعبة التي أنهاها الرئيس الأميركي جو بايدن مع نتنياهو بطلب حلّ مشكلة الأموال الفلسطينية المجمدة (الضرائب)، ما يدلّ ويؤكد على أنّ «إسرائيل» الكيان في نهاية زمن الاحتلال، ومؤشرات التفكك واضحة، كما مسبّبات الزوال التي لحظتها مراحل ما قبل انهيار الدول والمستعمرات التي كان لها وظيفة سياسية وأخرى أمنية وعسكرية تشبه إلى حدّ كبير مهمة الاحتلال الاسرائيلي.
«إسرائيل» في أدنى مستوى… العالم يتجدّد ومن ضمنه المنطقة ومن يعيش اليوم على الإنعاش الأميركي لا مستقبل له في مراحل التقلص الحتمي للنفوذ الأميركي السياسي والعسكري في المنطقة والعالم.