إلى قطر مع وافر الحبّ
إبراهيم موسى وزنه
عندما وصلتني الدعوة لحضور فعاليات كأس آسيا بكرة القدم في دولة قطر الناهضة على أكثر من صعيد، غمرتني فرحة كبيرة، تساوي في مفاعيلها وبهجتها إهداء طفل صغير اللعبة التي يحبّها… علماً بأنني قد بلغت من العمر عتيّا وفي جعبتي المهنية المئات من المقالات والتقارير والمواضيع إلى مجموعة من الكتب، محورها الميدان الرياضي الذي طرقت أبوابه يافعاً، ربما لأن والدي هو أوّل من أسس فريق كرة قدم شعبيّ في الضاحية الجنوبية للعاصمة اللبنانية بيروت.
بداية، لا بدّ ان أبدي اعجابي بالتطوّر الكبير الذي حصل منذ عدّة سنوات في الميادين الرياضية القطرية، إن على مستوى حسن التنظيم أو لجهة التميّز في أكثر من لعبة أو في سياق المواكبة وصولاً إلى المساءلة والتقييم لمواصلة السير في طريق النهوض والارتقاء. وكنت قد تابعت بشغف هذه «الطفرة» المحببة عبر الإعلام على كافة أشكاله وصوره. وللتاريخ، أعترف بأنني عشت فرحة عارمة مصحوبة بالترقّب لحظة فوز «دوحة العرب» في نهاية العام 2010 بشرف تنظيم مونديال 2022، وكم آلمني خلال سنوات البناء والتحضير الـ 12 أن ترمى سهام الحقد والتجريح نحو أولئك المجتهدين من كلّ حدب وصوب، ليأتي الرد من رجال «حمد» ورفاق «تميم» بإتمام المهمّة على أفضل ما يكون… وهذا الذي حصل بشهادة القاصي والداني وفي مقدّمهم رئيس الـ «فيفا» السويسري إنفانتينيو، ولسان حال الأمير الشاب الساعي لجعل قطر «درّة الأقطار» يعطي دروساً في التميّز الأخلاقي والإنساني، وراسماً أجمل وأرقى لوحة «مونديالية» ومردداً مع متنبّي الشعر: «أنام ملء جفوني عن شواردها… ويسهر الخلق جرّاها ويختصمُ»، ومصرّحاً في سياق اعتزازه العروبي بعد النجاح المونديالي، «لقد كانت بطولة كل العرب وليست بطولة قطر».
بناء على ما تقدّم وما تابعناه من أحداث ومحطّات عبر سنوات طويلة، نستنتج بأن طموحات القيّمين على دولة قطر لا حدود لها، فسلاح الإرادة وتكاتف الجهود سهّلا عملية تجاوز الصعاب، فعندما ترسم القيادة هدفاً مستقبلياً لجعل قطر عاصمة الرياضة العالمية وليس العربية فحسب لا بدّ أن ترصد لتحقيق هذا الهدف الإمكانات والقدرات المادية والعلمية والعملية والفكرية والتنظيمية والأمنية والإنسانية، وهذا ما يميّز قطر عن سواها بين الدول العربية والآسيوية، والمكسب الكبير الذي نجحت قطر في تحقيقه من خلال تنظيمها الرائع للمونديال، هو تغيير الصورة النمطية للإنسان العربي المغروسة في أذهان الكثير من الغربيين، وخصوصاً الأوروبيين، المرتبطة بالتخلف والشهوانية والتبذير في صرف المال. ومع إسدال الستارة على العرس الكروي تجلّت صورة العربي صاحب القيم والمبادئ، والاحترام والرقي في التعامل، والحفاوة والكرم… ليغادر الضيوف ولسان حالهم يؤكّد «غمرتونا بالخير… وشكراً قطر».
وهنا لا بدّ من الإشارة إلى أن حكاية قطر مع تنظيم كبرى البطولات والمسابقات بدأت في العام 1995 مع تنظيم كأس العالم للشباب بكرة القدم، وبعدها استضافت الألعاب الآسيوية في العام 2006، ومن ثمّ بطولة العرب بكرة اليد للرجال 2015، ثمّ أتبعتها بتنظيم كأس العالم للأندية في العام 2019، إلى أن توّجت الحلم العربي باستضافة مونديال 2022 ، وها هم قادة وأبناء قطر يشمّرون سواعدهم من جديد لاستضافة نهائيات بطولة العالم بكرة السلة في العام 2027، ودورة الألعاب الآسيوية 2030. وإلى جانب النجاحات التنظيمية هناك الكثير من الإنجازات على صعيد النتائج والوقوف فوق منصّات التتويج في عدد كبير من الألعاب الفردية والجماعية.
ختاماً، وأنا في زيارتي الأولى إلى دوحة قطر التي سحرتني من خلال ما شهدته في «مونديالها» الاستثنائي، أتمنّى لمنتخب بلدي لبنان في البطولة القارية أن يقدّم الصورة الجميلة المصحوبة بحسن الأداء وروح التحدّي في مبارياته الثلاث ضمن الدور الأول… على أمل أن يُرفع الكأس في العاشر من شباط بأيدٍ عربية.
حمى الله قطر وشعبها الطيّب وبارك بقائدها صاحب العقل النيّر، ودامت شعلة الدوحة عاصمة التلاقي وأرض الخير مشعّة بالعطاء والنبل والشهامة.