التحرك الأميركي في المنطقة لإنقاذ الكيان…
رنا العفيف
بدأت واشنطن بالترويج لإنهاء الحرب مع محاولة لتحقيق مكاسب سياسية لـ «تل أبيب»، فماذا في جعبة وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن وما يحمله في حقيبته من أدوات قوية وفقاً لما تريده «إسرائيل» في الوقت الحالي؟
يأتي التحرك الأميركي الحالي بهدف الضغط على بعض الأنظمة العربية القريبة من الولايات المتحدة للمساهمة في مسعى إبعاد حماس وتقديم إغراءات في ما يتعلق بإعادة إعمار غزة، وهذا ما لا يجد أيّ آذان صاغية في الجانب الفلسطيني لا سيما على المستوى الشعبي الذي يقف بصلابة خلف المقاومة رغم التضحيات الكبيرة ورغم ما واجهه الفلسطينيون من فظاعات وجرائم ومجازر على أيدي الإرهابيين الصهاينة.
اللافت في التصريحات الأميركية المتكرّرة هو تسريب معلومات متناقضة حيث تعلن الإدارة الأميركية بالفم الملآن انها ضدّ وقف إطلاق النار، ثم يأتي مَن يقول إنّ بلينكن سيطلب من «إسرائيل» وقف العمليات العسكرية في أسرع وقت، وذلك بالتزامن مع إعلان «إسرائيل» الانتقال إلى المرحلة الثالثة في الحرب، وهذا ما يمكن اعتباره مناورة تمويهية كنوع من النزول عن الشجرة ربما بشكل مؤقت، والأهمّ أن يُفهمَ من هذا الأمر أنّ «واشنطن حريصة على المدنيين»! لكن الحقيقة في الميدان هي عكس ذلك، لأنّ جدية واشنطن على هذا الصعيد لا بدّ أن تُترجم بوقف تزويد جيش العدو الإسرائيلي بالأسلحة المدمّرة التي تفتك بالمدنيين…
هذا التناقض المعلن في المواقف الأميركية الهدف منه أمر واحد لا غير وهو محاولة إنقاذ كيان العدو من الفشل الذي أصابه على مستوى العمليات كافة في غزة، بمعنى أنّ الاحتلال الإسرائيلي في غزة لم يحقق أياً من الأهداف المعلنة، وقد أصابته المقاومة الفلسطينية في مقتل، حين ضخت للعالم مشاهد يومية عبر فيديوات من عملياتها العسكرية، وكذا عندما بدأ يتزايد عدد قتلى جنود الاحتلال…
كذلك أتى التحرك الأميركي في سياق إظهار نوع من الجدية في مواجهة التهديدات الجديدة التي أعلنتها القوات المسلحة اليمنية حين أحكمت بنسبة كبيرة جداً الحصار البحري على «إسرائيل».
كما أنّ المخاوف الأميركية من تصاعد الأوضاع على جبهة الجنوب اللبناني، خاصة بعد الكلام الحاسم للأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، في مواجهة أيّ تحدّ أو تصعيد من قبل العدو الإسرائيلي، وبالتالي ما دفع واشنطن لهذا التحرك هو الحسابات الخاطئة وعدم استعدادها للدخول في حسابات سياسية دقيقة مع قدرات حزب الله والقوة العسكرية بالمجمل لكلّ أطراف محور المقاومة، بعد أن قرأت بوضوح أهداف هذا المحور ولمست جدّيته المطلقة، مع الأخذ بعين الاعتبار ما كانت تتغاضى عنه وهو أولوية وقف الحرب على غزة، فكان الخيار أمامها بتحريك ورقة الوسطاء للتفاوض مع الفلسطيني بشأن الحلّ الأنسب، أمام الاجرام الإسرائيلي الذي لن يبقى دون ردّ، خاصة أنّ المقاومة الفلسطينية لم ولن تُترك وحدها .
بالعودة إلى زيارة بلينكن، وكما قالت «هآرتس»، فإنه يحمل في جعبته الكثير من الخطط، ما يعني أنّ لدى واشنطن أهدافاً خبيثة ملتوية لإنقاذ سياستها ولكن كما تريد ربيبتها «إسرائيل»، قد تكون مهمة بلينكن هي الأصعب بحسب النقاط التي توقف عندها بلينكن نفسه في تركيا وغيرها للضغط على الأطراف الموالية لها من أجل القبول بوقف إطلاق النار، لماذا؟ ليبقى موضوع الحرب محصوراً في جبهة غزة فقط، أيّ أنها لا تريد أن تفتح أكثر من جبهة وتتوسّع رقعة الصراع أو الصدام بينها وبين العراق ولبنان واليمن وايران، لتحافظ على توازن التصعيد أو يمكن القول بأنها تريد من «إسرائيل» التركيز فقط على جبهة واحدة.
وفي السياق عينه تريد أن تقول وتبرز أمام وسائل الإعلام الاسرائيلية والاميركية المنشغلة بزيارة بلينكن أنها تريد تخفيض التصعيد ووقف إطلاق النار، ولكن نعود ونكرّر ما ذكرناه بأنّ أميركا تستطيع أن توقف العمليات إن آرادت ذلك إذا أوقفت توريد الأسلحة المدمرة التي تقتل عدد كبير من المدنيين وهي المسؤول الأول عن الجرائم والإبادة الجماعية التي ترتكب في غزة هذا من جانب…
العبرة السياسية واضحة المعالم، والسفن الأميركية لا تجري كما تشتهيها «إسرائيل»، وأنّ الرياح تعصف بقوة في الداخل «الإسرائيلي»، فهل تستطيع «إسرائيل» وأميركا أن تبحرا في المنطقة وهما في مستنقع كبير من المآزق المتلاحقة؟ كلاهما يستعرضان سياسة التماهي على أن لا أحد منهما يخضع لإملاءات الثاني وذلك لتحسين صورة كلّ منهما أمام مجتمعه الذي ربما لا يؤمن ولا يثق بهذا وذاك، ولكن ما يستطيع كل منهما أن يفعله في هذه المرحلة هو إظهار أنه أتى بفكرة المرحلة الثالثة بعناصر جديدة ومختلفة منها في العلن ومنها غير واضح في الرؤية الاستراتيجية وتبعات ومآلات المئة يوم حرب في غزة لها انعكاسات خطرة وكبيرة ترتدّ عليهما سلباً في الداخل، ويعلم أنّ مؤشرات السياسة الخاطئة قد لا يمكن السيطرة عليها في ظلّ قضية مدة المواجهة، وهو نفسه بطبيعة الحال يميل إلى الحرب القصيرة والخاطفة ويفضل ذلك نظراً للانقسامات الحادة في الجبهة الداخلية الإسرائيلية وهروب عدد غير قليل من ضباط جيش الاحتلال وانتحار البعض الآخر، بينما نرى على ضفة المقاومة في كلّ ساحاتها الصمود الأسطوري والتحدي البعيد الأمد.