ما بعد المئة يوم… رسائل النار والبحار
فاديا مطر
لم تعد رسالة طوفان الأقصى مجرد استرداد حق مغتصب وأحقية شعب يعاني منذ ما يقارب القرن من الزمن، بل تعدّد محتواها لحقيقة واقعية ذات محور قيادي بدأ يقود المنطقة باتجاه كسر محور الغرب في جيوسياسية بعيدة عن مقراته، وهذا ما أوضحه الدعم اللامتناهي للكيان الصهيوني في فلسطين المحتلة واليمن وسورية والعراق ولبنان وغيرها، وبحيث أنّ تنامي محور المقاومة بدأ يغيّر خرائط السيطرة والنار برسائل واضحة وتتضح معالمها دراماتكياً في الشرق الأوسط ومجمل المنطقة فعلياً، وبدأ الترنح الغربي واضحاً وبدأ معه التصعيد الغير محسوب برغم الرسائل التي أرسلها محور المقاومة من غزة إلى جغرافيا بعيدة أصبحت تطال عمق الكيان وكياناته المستمدة منه، حيث شكل الاعتداء الأميركي والبريطاني على اليمن مفترقاً مرحلياً ومتصاعداً حتى الآن في ما أرسله من رسائل تجاه مجمل محور المقاومة الذي بدأ يتخطى المائة يوم في الصمود والاستهداف والتغيير في ميزان القوة، وما يترتب عليه من ردود يمكن أن تصل إلى حرب إقليمية شاملة تجرّ المنطقة إلى دخول أطراف ما زالت تتروّى في دخول منطقة الصراع الفعلي، وهذا يدور في طريقة تعامل محور المقاومة مع تطورات الأحداث المتسارعة…
إلا أنّ النهج الأميركي والصهيوني بجملته وبرغم التصريحات التي بعث بها لعدم رغبة هذا المحور بتصعيد يجرّ المنطقة لعسكرة أكبر، إلا أنّ مساحة هذا التصريح بدأت تضيق مع استهداف اليمن وتشكيل معسكر حربي بحجة “حماية الملاحة البحرية” في البحر الأحمر، لكن كيف إذا قرّر هذا الحلف العسكري الغربي أن يتدخل بحجة مماثلة لحماية الملاحة في الخليج العربي والبحر المتوسط؟
هذا ما لا يُحسب حسابه ما أن أصبح موضوعاً على طاولة الرسائل القادمة، فقد أرادت واشنطن ولندن عبر توسبع رقعة التعسكر لإشعال المنطقة التي وصلت فيها انكساراتهم لأرقام كبيرة ومخيفة بالنسبة للداخل السياسي والشعبوي في ذلك المحور، وهذا ما أظهرته المسيرات الشعبية المندّدة بالعدوان وتوسيع رقعته الشرق أوسطية، ومضافاً إليه التخبّط السياسي فضلاً عن التقهقر العسكري الواضح من جنوب لبنان واليمن وفلسطين المحتلة، وهذا ما ذكرته صحيفة “نيويورك تايمز” في عددها الحالي من أنّ الضربات الأميركية والبريطانية لم تُحدث تأثيراً يُذكر في قدرة أنصار الله العسكرية فعلياً.
إذن هي لا تزال تبعث برسائل النار التي تغرق في مياه باب المندب والبحر الأحمر وربما تصل للخليج العربي الذي تتموضع فيه إيران بقوة وحضور عسكري لافت وتمتلك فيه خيارات كبرى يمكن لها حتى تغيير خريطة السيطرة في المضائق الدولية التي تغذي شريان المحور الغربي في جزء هام من العالم، بل يستطيع التأثير وبشكل كبير في العمق العسكري والسياسي والاقتصادي للمحور الغربي برمته، وهو ما تجرّ واشنطن نفسها وغيرها من الدول إلى أتون ذلك الصراع الكبير الذي يمكن له تغيير خريطة العالم ومن ضمنها الكيان الصهيوني الذي فقد مقوماته الوجودية تحت ردّ المقاومة الإسلامية في غزة والجنوب اللبناني والجيش اليمني الذي فتح رسائل الردّ من البحار باتجاه النار…