الاغتيالات دليل الهزيمة في الميدان وجنوب أفريقيا على حدود فلسطين
أحمد بهجة
بعد اندحار جيش العدو الصهيوني من الأراضي اللبنانية المحتلة في أيار 2000، وبعد انكسار هذا الجيش أمام عمالقة المقاومة في لبنان، قام عدد من الوزراء في حكومة العدو آنذاك بمطالبة رئيسها إيهود باراك بإعداد الخطط اللازمة لاغتيال أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله (حفظه الله)، باعتبار أنه قائد المقاومة التي أنزلت بهم الهزيمة الكبرى التي لم يشهد كيانهم مثيلاً لها منذ إنشائه عام 1948.
أما إجابة باراك فكانت أنّ الاغتيال لن يغيّر الواقع ولن يمحو الهزيمة، وذكّر وزراءه بأنه في العام 1992 كان رئيساً لأركان الجيش وتولى شخصياً الإشراف على تنفيذ عملية اغتيال الأمين العام السابق لحزب الله الشهيد السيد عباس الموسوي، قائلاً: «اعتقدنا يومها أننا حققنا ما نريد، لكن ماذا كانت النتيجة»؟
طبعاً النتيجة معروفة منا جميعاً وهي أنّ دماء الشهداء بشكل عام تعطي دفعاً كبيراً للمقاومة، لا سيما أنّ الشهداء القادة هم الذين زرعوا وبنوا الأجيال التي تتسلّم الراية تباعاً لتستمرّ المسيرة وتنتقل من إنجاز إلى إنجاز حتى تحقيق النصر النهائي بإزالة هذا الكيان من الوجود.
هذا ما أراده السيد عباس والشيخ راغب والحاج رضوان والسيد ذو الفقار… وهذا ما يريده اليوم عباس رعد (سراج) ووسام طويل (جواد) وكلّ الشهداء الذين يرتقون على طريق القدس بقاماتهم الشامخة ووجوههم الجميلة، نصرة لفلسطين ومقاومتها الباسلة التي قدّمت أيضاً قوافل الشهداء بعشرات الآلاف الذين يفتدون أرضهم وبلادهم ويُصرّون على تحريرها بالكامل واستعادتها من المحتلّ مهما كانت الأثمان والتضحيات، وذلك من أجل أن تحيا الأجيال الآتية عزيزة وكريمة ومحرّرة ومستقلة.
ولا شكّ أنّ الإنجاز الأسطوري المتمثل بـ «طوفان الأقصى» أوصلنا إلى مواقع متقدّمة جداً، حيث نستطيع القول إننا نحقق كلّ يوم إنجازاً جديداً، خاصة أننا ربحنا معركة الإعلام، وهو ما لم يكن يحصل في السابق، حيث كان العدو يربح علينا دائماً بأن يتبنّى العالم روايته بأنه هو المظلوم والمضطهد وبالتالي يُبرّر له جرائمه وارتكاباته بحق أبناء شعبنا في فلسطين وفي كلّ بلادنا العربية.
اليوم اختلفت الأمور، حيث أنّ روايتنا هي التي صارت على كلّ شفة ولسان في مختلف أرجاء العالم. وحتى في الدول الداعمة للعدو نجد أنّ الرأي العام فيها متعاطف مع شعب فلسطين ومظلوميته التي ظهرت جلية واضحة، تماماً كما ظهر جلياً وواضحاً على مرأى ومسمع العالم كله مدى الإجرام والإرهاب الصهيوني الذي لم يعد ممكناً تبريره من أيّ أحد حتى لو كان من أشدّ المؤيدين لكيان العدو.
ورغم كلّ الإجرام والإرهاب والمجازر الفظيعة بحق أبناء غزة، يجد العدو نفسه مهزوماً في الميدان، وليس اللجوء إلى سياسة الاغتيالات إلا تعبيراً واضحاً ودليلاً أكيداً على هذه الهزيمة، لكن مجدّداً لن تؤدي الاغتيالات إلى تغيير موازين القوى على الأرض، بل على العكس تماماً سوف يؤدي اغتيال القائد الشهيد صالح العاروري إلى تزخيم عمل المقاومة وفعلها في الميدان الذي يعجز فيه العدو وكلّ داعميه عن تحقيق أيّ هدف فعلي، بل ها هم ينسحبون من غزة بعدما أثبتت مرة جديدة كما هو تاريخها أنها مقبرة للغزاة.
وها هي جنوب أفريقيا الدولة الأكثر معرفة وخبرة في مواجهة الاضطهاد والعنصرية تدّعي على الكيان أمام محمكة العدل الدولية في لاهاي وتُقدّم عبر فريقها القانوني الرائع أهمّ المرافعات في التاريخ كما أجمعَ على ذلك كبار الحقوقيين في العالم، حيث لم يستطع الفريق القانوني «الإسرائيلي» تقديم مطالعته إلا في السياسة لأنّ الوثائق والأدلة والبراهين التي قدّمها الفريق الجنوب أفريقي أتت «مبكّلة» من جميع النواحي، الأمر الذي يؤمَل منه الكثير على صعيد الحكم الذي سيصدر بإدانة كيان العدو بسبب «ارتكابه أعمال إبادة جماعية ضدّ الشعب الفلسطيني في قطاع غزة»، كما ورد في نصّ الدعوى التي رفعتها جنوب أفريقيا والمؤلفة من 84 صفحة.
وبغضّ النظر عما إذا كانت «إسرائيل» ستنفذ قرار المحكمة أم لا، (ونحن اعتدنا أن لا تنفذ «إسرائيل» القرارات والأحكام الدولية إلا بالقوة كما حصل معنا في لبنان بالنسبة للقرار 425)، لكن صدور حكم بإدانتها من أعلى محكمة دولية، وهي الجهاز القضائي الرئيسي للأمم المتحدة، يجعلها مُدانة أمام الرأي العام العالمي بحُكم مبرم يؤكد أنها «دولة» الإرهاب والإجرام، ولا بدّ أن ينزل بها حكم الإعدام قريباً جداً…