لن نألف المشهد الدامي…
عبير حمدان
ماذا نكتب بعد 100 يومٍ من القتل الممنهج والإبادة الجماعية التي تواجه بالتصدي والصمود الاسطوري؟ وكيف يسعنا احتواء المشهد الدامي والبطولي على حدّ سواء لأبناء الأرض الصابرين المحتسبين المزنرين بالعزّ والواثقين بالنصر ولو بعد حين.
وكيف للحبر توصيف ما يحتويه الركام من قصص لأناس كانت لهم أحلام وأمنيات ومناسبات عائلية بسيطة ودفاتر مدرسية وأمل بأنّ القيد سينكسر والأسلاك الشائكة ستزول، لم تزل أرواحهم بين تشققات الجدران تتلقف المطر وترسم درب العودة الى فلسطين كل فلسطين…
100 يوم من العدوان الهمجي على غزة وقرى الجنوب اللبناني ولم يزل هناك من يتشدّق بكلام ممجوج عن «ضرورة تجنّب الحرب» و»النأي بالنفس» وهو كلام لا يعبّر إلا عن صِغره وقلة قيمته وتبعيته لفكر استعماري.
100 يوم ولم يزل هناك من يتجاهل ولا يخجل بإعلان «حبه للحياة» وفق رؤية استهلاكية يصفها بأنها «جمالية» معبّرة عن وجه الوطن الذي يريده قوياً بضعفه ومجرداً من هويته المقاومة.
100 يوم ولم يزل هناك من يراهن على حلول دبلوماسية في ظلّ الاساطيل الحربية لغرب موهوم يراكم تصريحاته المتناقضة بين تهديد ووعيد في الفراغ بلا طائل. ولم تزل أنظمة الاعتدال تهادن وتمعن في دفن الرأس في الرمال التي قد تبتلعها يوماً ما مهما ظنت أنها محمية في عروشها الهشة والمزركشة بالمواسم الترفيهية.
لا لن نألف المشهد الدامي ونتعايش معه كأنه واقع مستمر، ولن نعتاد التقارير المصوّرة للمجازر وكأنها القدر المحتوم وندّعي مقدرتنا على العيش في الطرف المقابل من ميادين القتال بشكل طبيعي، ولن نكون حياديّين في نصوصنا وأفكارنا، نحن أهل المقاومة وناسها وجبهتها الاجتماعية والثقافية والإعلامية الحاضرة والملزمة بفعل التصدي كجزء أساسي من المعركة.. ولأننا أهل الحياة وأبناؤها نؤكد أنّ المشهد الدامي يقابله عمليات بطولية وجرائم العدو تقابلها صليات مباشرة ولغة النأي تقابلها أبجدية الانخراط في الصراع الوجودي الذي يلغي الحدود.
على هذه الأرض جراح الأطفال شاهدة لن تنسى أو تغفر لكل المتخاذلين والمتملقين والمهرولين إلى وهم يسمّونه «السلام»! فلا سلام مع قاتل محتلّ ولا نقاش في هذا الإطار، فإما نكون مع أنفسنا أو لا نكون، لا نقاش في ما يتصل بالحق الذي لا يتجزأ ولا وسطية في الموقف ونحن نعيش مرحلة مفصلية من تاريخنا القديم الجديد، مرحلة ترسخ قدسية المقاومة وما حققته من إنجازات وما توعدنا به من تحرير لكلّ ذرة تراب مهما كان الطريق إلى ذلك متعمّداً بالدماء إلا إنه مشعّ بأقمار تنيره من البحر إلى النهر إيذاناً بالنصر المبين.