لماذا لم تتجرأ الدول العربية على مثل ما فعلته جنوب أفريقيا في لاهاي؟
عمر عبد القادر غندور*
تعلن جنوب أفريقيا بالنيابة عن العرب المتخاذلين دعوة محكمة العدل الدولية في لاهاي ضدّ ما تقوم به دولة الاحتلال الصهيوني لفلسطين، وتسليط الضوء على الانتهاكات وارتكاب جرائم الإبادة الجماعية بحق الفلسطينيين في غزة والضفة الغربية.
ويرى مرافقون انّ ايّ حكم تصدره المحكمة الدولية، حتى ولو لم يُنفذ، سيمثل طعنة نجلاء لدولة الاحتلال ولأول مرة منذ العام ١٩٤٨، والدول المتعاطفة والدائرة في فلك الولايات المتحدة، وتقول صحيفة «الغارديان» البريطانية انّ شبح العزلة الدولية الذي طالما تخوّف منه قادة الاحتلال وكما ظهر صورة وصوتاً في محكمة العدل الدولية، يتذكّرون التصويت في الجمعية العامة للأمم المتحدة وصدمة المجتمع من وحشية «إسرائيل»، ويعجز العديد من دول العالم عن اتخاذ الخطوات اللازمة من «إسرائيل» خوفاً من العصا الاميركية، ومع ذلك في الغرب من يتضامن مع الفلسطينيين ضدّ المحتلين انطلاقاً من مشاعرهم الإنسانية والقيمية.
وتقول الكاتبة ألكسندر هينتون أستاذة القانون في جامعة روتجرز الأميركية انّ دعوى جنوب أفريقيا لدى محكمة العدل يمكن ان تشكل دليلاً لإثارة اهتمام عالمي أكبر لا سيما أنّ الدولة المدّعية (جنوب أفريقيا) لا تشترك في حدود مع الدولة المدّعي عليها.
ولا نشكّ للحظة واحدة انّ هذه «المكرمة» التي تقدّمت بها دولة جنوب أفريقيا الكريمة والشقيقة، ونضع ثلاث خطوط تحت كلمة «الشقيقة» ما جاءت من عبث وفراغ بل ترجمة لحقبة نضالية للرئيس المؤسس نيلسون مانديلا الذي قضى 22 عاماً في السجن واصبح رمزاً دولياً للكفاح ضدّ العنصرية والاحتلال، وأخرج بلاده من نير العنصرية والاحتلال وانتُخب رئيساً عام 1994 وكان رمزاً للنضال والعزيمة وأيقونة للحرية ضدّ العنصرية، وكان أول رئيس أسود يحكم جنوب أفريقيا، وتوفي رحمه الله في الخامس من كانون الأول 2013.
وعبثاً تحاول «إسرائيل» الدفاع عن جرائمها كما حصل في الجلسة الثانية من المحاكمة، ورغم أننا نعلم انّ قرار المحكمة نهائي وغير قابل للاستئناف إلا انها لا تستطيع تنفيذ قراراتها، ولكن من شأن هذا الحكم ان يضرّ بسمعة «إسرائيل» ويشكل سابقة قانونية.
ولن تستطيع «إسرائيل» الدفاع عن نفسها إزاء اتهامها بارتكاب الإبادة الجماعية، وهي في الأساس صادقت على المادة 153 التي توصف الإبادة الجماعية بأنها فعل يُرتكب بقصد التدمير كلياً او جزئياً لجماعة قومية او اثنية او عنصرية او دينية معينة، وتشكل تلك الأفعال قتل أفراد الجماعة او إلحاق الأذى الجسدي او العقلي وتدمير ظروفهم المعيشية بهدف اجتثاثهم ومنعهم من الإنجاب ونقل أطفالهم قسراً الى مجموعات أخرى… كلّ هذه الاتهامات تغرق فيها «إسرائيل» حتى أذنيها.
والمعلوم انّ الولايات المتحدة مارست ضغطاً كبيراً على الدول العربية حتى لا تلجأ الى القانون الدولي او المنظمات الدولية، وانها مارست في الماضي ضغوطاً كبيرة على الفلسطينيين حتى لا يذهبوا الى القانون الدولي، وانّ الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما قال لرئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس عندما اتجه للمطالبة بالعضوية الكاملة في الأمم المتحدة ومن أجل عضوية منظمات دولية: أنت كمن يستخدم قنبلة نووية. وهو بذلك يقصد انّ هناك تحفظات أميركية خطية ورسمية لـ «إسرائيل» للعمل على منع الفلسطينيين والعرب من اللجوء الى القانون الدولي والمنظمات الدولية ومنع عضوية فلسطين حتى في الأطر الدولية.
من هنا يمكن أن نفهم لماذا لم تتجرأ الدول العربية على مثل ما قامت به جنوب أفريقيا…
ونقطة على السطر.
*رئيس اللقاء الإسلامي الوحدوي