ماذا بعد الغارات على اليمن؟
ناصر قنديل
– إذا كان السؤال الذي يوجّهه الأميركيون لحكومة بنيامين نتنياهو هو عن استراتيجية الخروج من الحرب، فإنه السؤال الذي يجب عليهم توجيهه لأنفسهم بعدما كرّروا المكابرة ذاتها التي شجعوا “إسرائيل” عليها ثم تراجعوا ووقفوا يتحدثون عن نقاط ضعفها لحسابات صرف انتخابية، لأن الغارات التي شنها الأميركيون على اليمن لن تمنع أنصار الله والجيش اليمني من التحرك لمنع السفن الإسرائيلية والمتوجهة الى موانئ الكيان من عبور البحر الأحمر، وسوف يجد الأميركيون أنفسهم في حال مشابهة لحال الإسرائيليين في أيام القصف الطويلة على غزة، حتى انخرطوا بالغزو البري وبدأت حرب الاستنزاف، ولن يكون حال الأميركيّين أمام الرأي العام وفي الميدان أفضل من الإسرائيليّين إذا لجأوا مثلهم إلى التدمير الواسع والقتل المفتوح في اليمن على طريقة جيش الاحتلال في غزة، وهم كانوا يملكون ورقة القدرة على إطلاق الطلقة الأولى وقد أحرقوها، ولم تعد لها قيمة، بعدما أطلقوا هذه الطلقة وصاروا في حال حرب، فماذا عساهم يفعلون؟
– خلال يومين أعلن الأميركيّون عن عمليتين كبيرتين لليمنيين استهدفت الأولى حاملة الطائرات “يو اس اس لابون” بصاروخ كروز. قال الأميركيون إنهم أسقطوه بواسطة طائرة حربية بعدما تعذر إسقاطه بواسطة الدفاعات الجوية، والثانية استهدفت سفينة تجارية أميركية أصابتها الصواريخ اليمنية وأحرقتها، وسوف تصبح الأخبار اليومية تقوم على ثنائية شبيهة بتلك التي رافقت حرب غزة، حيث رقم الشهداء من النساء والأطفال من جهة، وعدد العمليات التي نفذتها المقاومة وعدد قتلى وجرحى جيش الاحتلال؛ وفي البحر الأحمر سوف تقوم الثنائية على ما أحرقه أنصار الله من سفن تعبُر خلافاً للضوابط اليمنية، والغارات الأميركية البريطانية على اليمن. والواضح أن هذا الوضع مرشح للاستمرار ما دامت الحرب على غزة مستمرّة، ما يعني ربحاً يمنياً بالنقاط، مع احتمال أن يصيب أحد الصواريخ اليمنية حاملة طائرات أميركيّة، فيبدأ الاتجاه يرجح نحو الضربة القاضية.
– بخلاف التوقعات التقليدية، ليست أميركا من سوف يربح بالضربة القاضية، وهي قد تميل مع إصابة غرورها بإصابة بالغة الى التفكير على الطريقة الإسرائيلية بالانتقام، لا بالحسابات. وكما خرج الإسرائيليّون يتحدّثون عن حرب بريّة مضمونة النتائج قبل أن يكتشفوا أن حربهم فاشلة وأنهم عالقون يعجزون عن التقدم ويعجزون عن التراجع. وفي اليمن إذا فكر الأميركي بالرد عبر القصف البحري والجوي فلن يغير شيئاً في المعادلة. واليمن منذ تسع سنوات تحت القصف البحري والجوي، أما إن زيّنت لهم قدراتهم العسكرية التفكير بعمل بري، دون أن يقيموا المقارنة بحروبهم التي اعترفوا بفشلها ويستنتجوا أن الفشل سيكون حليفهم حتماً، فسوف يتورّطون في حرب لن يخرجوا منها سالمين، وتكون حرب فيتنام وحرب أفغانستان نسخة مخفّفة منها ومن هزيمتها.
– اليمنيّون شعب مقاتل، وأنصار الله منذ عقدين على الأقل قوة تملك بنية عقائدية وعسكرية صلبة، نجحت بفرض إرادتها على نظام حكم الرئيس علي عبدالله صالح لسنوات خلال حرب صعدة، ونجحت أيضاً بفرض معادلة ردع وقواعد اشتباك على الحدود اليمنية السعودية المجاورة لمركز انطلاقتهم في محافظة صعدة، واليمن عبر التاريخ بقي عصياً على المستعمرين، بفعل طبيعته الجغرافية وشعبه المقاتل، فقد فشل العثمانيون والبريطانيون في السيطرة على اليمن، في ذروة صعود المشروع الإمبراطوريّ لكل منهما، والمنطقيّ أن يقيم الأميركي حساباته جيداً قبل التورّط، مثلما فعل عندما بدأ الغارات الجوية دون إقامة حساب للربح والخسارة، وإن لم يفعل فسوف يُكتب على أيدي اليمنيين الرحيل التاريخيّ للأميركيين عن المنطقة.
– المنطق يقول شيئاً واحداً، وهو أن تحسب أميركا جيداً قبل التورّط، لكن الواقع يقول إن الحمقى هم من يتخذ القرارات في أميركا وكيان الاحتلال، ولذلك فإن حساب العقل يقتضي إبقاء باب الاحتمالات مفتوحاً للحماقات، أي اللامعقول.