اليمن ومصر… قوة الفعل والدور من باب المندب إلى قناة السويس
خضر رسلان
الدور الذي تختاره الدول والأمم هو الذي يحدّد مكانها وفعلها وبالتالي تأثيرها في كلّ الاستحقاقات سواء كان ذلك حرباً او سلماً او إبرام اتفاقيات والمشاركة في المشاريع والتكتلات ذات البعد الإقليمي والدولي، وهذا حال قناة السويس ومضيق باب المندب حيث الدور والفعل يصنعان مجداً لا يُضاهى كما هي حال اليمنيين الذين فرضوا الدور والمعادلات في المضيق فيما يعمل الأميركيون والصهاينة على سحق وريد قناة السويس بقناة بن غوريون وتحويلها الى جدول صغير بعدما كانت مضيقاً العالم كله تنشد دوراً متاحاً من شعب تاريخه متجذر لحفظ إبائها ومجدها.
وفي سياق متصل وتحديداً في الليلة التي اعلن فيها قائد أنصار الله السيد عبد الملك الحوثي رفع سقف التحدي وإعلانه، الانتقال من مرحلة التهديد الى الانخراط في الميدان نصرة لغزة سواء من خلال استهداف مدينة إيلات (ام الرشراش) بالصواريخ والمسيّرات المسلحة، او مهاجمة السفن التي ترفع علم الكيان الصهيوني والتي تشغّلها شركات يستفيد منها الإسرائيليون، انتزع اليمن بجدارة دوره كلاعب أساسي ضمن الجبهة المساندة الهادفة لرفع العدوان عن غزة وأهلها، وأبرز هذا المتغيّر جملة عناوين ستكون لها بلا شك ارتدادات على مجرى الأحداث، سواء على مستوى العدوان على غزة الذي هو عنوان الحراك اليمني، او على مستوى الواقع الجيوسياسي المستجد في البحر الأحمر وممراته ومساربه.
ويمكن تلخيص الدور والفعل اليمني وتأثيراته بالنقاط التالية…
1 ـ الارباك والتعثر الأميركي الواضح المتوجّس من إفراغ الفعل اليمني لشعارهم في احتواء الصراع من مضمونه بعد نجاحهم في الإطباق على باب المندب وإرسال الصواريخ والمُسيّرات الى الكيان الاسرائيلي، وهذا ما أجبر البيت الأبيض على إعادة القراءة السياسية والأمنية للمشهد الإقليمي بشكل عام والبحث جدياً عن جدوى الاستمرار في العدوان على غزة في ظلّ وجود هذا المتغيّر الاستراتيجي.
2 ـ التداعيات المنظورة والغير منظورة: لا شك ان للدور اليمني فعلاً مؤثراً وفاعلاً منها ما هو منظور من تداعيات اقتصادية بلحاظ انّ أم الرشراش (ايلات)، تلعب دوراً بارزاً في الحركة التجارية التي تربط «إسرائيل» بأسواق الشرق الآسيوي، إلا انّ ما هو غير منظور أخطر وأدهى ويجعل كلفة فاتورة الحرب تتزايد على الكيان الغاصب حيث انّ تعاظم الدور اليمني سيحطم طموحاته من الاستفادة من موقع إيلات ومينائها وإطلالتها الوحيدة على البحر الأحمر، وانعكاس ذلك على ما يسمّى «السلام» المزعوم الذي كان يُرسم مع المملكة العربية السعودية وربطها بالسكك الحديد مع فلسطين المحتلة.
لا شك انّ للدور اليمني وفاعليته تداعيات جوهرية على قطاعات كبيرة داخل الكيان الغاصب سواء منها السياحية ام التجارية ولا يمكن إغفال أثره الأكبر في مشاهد ضرب الأمن الصهيوني داخل الكيان الغاصب، بالصواريخ والطائرات المُسيّرة، فضلاً عن ذلك نجاحه في تعزيز الجبهات المساندة لقطاع غزة ومقاومته، إلا انّ الحدث الأبرز كان في إعادة انعاش ذاكرة عملية طوفان الاقصى التي أرخت لحتمية لفظ هذا الكيان اللقيط واستحالة استمراره فوق أرض فلسطين.
نعم… إنه الدور الذي تختاره الأمم… كما اليمنيون الذين أعطوا لباب المندب قيمته، فإنّ الشعب المصري الذي أبى ان يطبّع مع الكيان الصهيوني رغم مرور عشرات السنين من عقد اتفاقية كامب ديفيد متاح له بالإرادة وقوة القرار والاختيار أن يعيد إلى قناة السويس مجدها، وأن يسترجع صورة نهر النيل حين كان يخيف كلّ معتد بغضبه وفيضه…
لا شك حين تستعيد قناة السويس مجدها سيستحيل معها الركون للمزاجية الاثيوبية وشرب الماء من سدّ النهضة بالقطارة لأنّ الدور الذي تختاره هو الذي يحدّد مجدك ودورك، في عالم يجب فيه صنع القوة لأنه عالم لا يحترم إلا الأقوياء…