مقالات وآراء

الثقل الاستراتيجي… ومفتاح الانتصار

‬ نمر أبي ديب

تأخذ «حرب غزة»، وما سبقها من عمليات عسكرية منحىً مغايراً للنمط التقليدي وأيضاً لما سبقها من حروب شرق أوسطية وصدامات أمنية/ عسكرية على مستوى الحرب الاستخبارية، كما الصراع العربي الإسرائيلي الذي دخل مع عملية طوفان الأقصى مرحلة جديدة من المواجهات الأمنية وحتى العسكرية، الكاسرة للتوازن المرجح للكفة الإسرائيلية، المعادلة التي فرضها كيان الاحتلال لسنوات عديدة خلت، ليس من القدرة الفلسطينية على المواجهة إنما من التوقيت المناسب، والفرصة الزمنية والتاريخية المتوفرة اليوم في صيغ عديدة مختلفة من بينها «عقدة الثمانين»، يُضاف إليها الشيخوخة الإسرائيلية، والترهّل الذي أصاب بشكل مباشر واستراتيجي مواضع قاتلة في بنية كيان الاحتلال الذي أُسقِط بكامل جهوزيته الوقائية العسكرية والأمنية في اللحظات الأولى لطوفان الأقصى، العملية أعادت من خلالها حماس، توجيه البوصلة العربية نحو فلسطين المحتلة، نحو القضية الأساس، ذات الثقل الاستراتيجي ومفتاح الانتصار الحقيقي لمحور المقاومة حيث لا انتصار بمعزل عن فلسطين، ولا قضية جامعة خارج إطار القضية الفلسطينية، بكامل متشعّباتها الشرق أوسطية…
بالتالي ما تشهده الساحة الفلسطينية، ويُترجم ميدانياً في حرب غزة، لم تتوفر له الظروف الاستثنائية المتمّمة للنتيجة المتوقعة في أزمنة سابقة، ما يؤكد على مفصلية المرحلة في الدرجة الأولى، وأيضاً على الفرصة التاريخية المتاحة اليوم، التي لم ولن تحجبها آلة القتل «الإسرائيلية»، مهما بلغت مخلفاتها التدميرية، وتمادت في نشاطها الدموي داخل غزة وخارجها، في لبنان ومجمل ساحات المواجهة المعلنة مع كيان الاحتلال «الإسرائيلي».
من المفارقات الوجودية في هذه المرحلة غياب الفاعلية الأميركي، التي تعتبر الحاضنة الأولى لكيان الاحتلال في مراحل الصياغة المتقدمة للنظام العالمي الجديد، الكاسر للتفوق الأميركي وأيضاً للمسلمات العالمية السابقة، التي قامت عليها استراتيجيات سياسية عديدة، في مقدمتها صيغة الأحادية التي ساهمت في ضبط وتحجيم قدرات المواجهة الفلسطينية من جهة وحتى العربية، لصالح ما عُرف سابقاً بـ «ضمان أمن إسرائيل»، وأيضاً لصالح الفكرة الاستعمارية، التي حاولت من خلالها الولايات المتحدة الأميركية استنساخ طابعها التوسعي في جغرافيا ودول المنطقة ابتداء من «الصورة المصغرة» لمشروعها الشرق أوسطي الكبير، والكلام يتناول فلسطين المحتلة.
أيضاً من المفارقات العسكرية الكاسرة للتصور التاريخي وأيضاً لكيفية خوض الحروب التقليدية، امتهان المكون الفلسطيني أنماط الهندسة العسكرية، بمجمل متفرّعاتها الميدانية التي نجح حزب الله مع تجربة تموز 2006 في تعميمها كـ «مادة عسكرية» و»متمّم استراتيجي»، لخوض الحروب الحديثة كما العمليات المركزية التي كسرت من خلالها حماس، جدار الفصل الوجودي ما بين استمرارية كيان الاحتلال وزوال «إسرائيل».
ما تقدّم يرتب على الصراع العربي ـ «الإسرائيلي» بمجمل ميادينه المعلنة وأيضاً غير المعلنة، الأمنية والعسكرية والسياسية، مستحقات بنيوية تتعلق بمستقبل الصراع وأيضاً بكيفية الانتقال العربي من مراحل إسقاط الكيان إلى تعبئة الفراغ الوجودي الذي يفترض أن يتركه لاحقاً زوال «إسرائيل»، إضافة إلى ما يمكن أن تتضمّنه لاحقاً تلك المراحل من تحدّ استراتيجي وأيضاً وجودي، لا يمكن للشتات العربي بصيغته الحالية احتواء مخلفاته بمعزل عن الهندسات الأمنية كما السياسية التي عكسها الأداء النوعي لقوى المقاومة بكلّ من لبنان وفلسطين المحتلة.
في سياق متصل يختزن المشهد الفلسطيني مع مفاعيل حرب غزة، طبيعة عسكرية مختلفة، بمقوماتها الميدانية وأيضاً بمجمل متطلباتها اللوجستية، وتعبئتها العسكرية والفكرية، التي بلغت على مستوى كيان الاحتلال مقدمة رفض غير اعتيادية، يمكن البناء والتأسيس عليها في صياغة ومقاربة مستقبل المنطقة، وأيضاً كيان الاحتلال، الذي فقد مع بداية «طوفان الأقصى» وحرب غزة «حلم الدولة»، وغداً «جغرافية الوعد»، الكذبة التاريخية الكبرى.
ثانياً لامست على المستوى الفلسطيني حدود اليقين بحتمية نصر قائم على حقيقة جغرافية واحدة، عنوانها الأول والأخير «زوال إسرائيل».
بالرغم من «عنجهية السلوك الإسرائيلي»، والتلطي الدائم خلف «المشاهد التدميرية والأكثر دموية»، للتعويض عن إخفاقات حرب غزة وغياب القدرة الأمنية كما العسكرية على الحسم في الجبهة الفلسطينية، أشار رئيس لجنة مستوطنة «مرغليوت»، (الى انّ يوآف غالانت وزير الأمن الإسرائيلي في حكومة بنيامين نتنياهو هدّد بإعادة لبنان إلى العصر الحجري»، وقد أكمل قائلاً: «مستوطنات إسرائيل هي التي عادت مع فقدان الماء والكهرباء إلى العصر الحجري»، ما يؤكد في صريح الاعتراف والموقف المعلن، أنّ الوجع الإسرائيلي في قمته، وقد تعدّى بنسب كبيرة طاقة كيان الاحتلال على الصبر والاحتمال، وأنّ حروب اليوم لا تشبه من حيث النتيجة، وأيضاً من حيث القاطعة الزمنية المتمثلة في «عقدة الثمانين» ومفاعيلها الكارثية على كيان الاحتلال الإسرائيلي حروب الأمس.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى