«إسرائيل» إلى تصدّع…
أحمد عويدات
باتت الخلافات والتجاذبات بين الطبقة السياسية والعسكرية سيدة المشهد السياسي الإسرائيلي في الشارع الغاضب على حكومته، وفي مجلس الحرب المنقسم، وتصريحات المعارضة، وفي وسائل الإعلام العبري.
هذا الانقسام الداخلي عبّر عنه الشارع «الإسرائيلي» المليء بالمظاهرات الصاخبة والتي تجاوزت حدّ المطالبة بوقف الحرب المدمّرة وإطلاق سراح الأسرى، إلى التفاوض مع «حماس» وإسقاط الحكومة. إلا أنّ نتنياهو مستمرّ في غيّه بالتعامي وصمّ أذنيه عما يحدث في الشارع؛ مواصلاً الصعود إلى الشجرة غير آبه بالنتائج الكارثية التي تنتظر مستقبله السياسي ومصير الكيان، متسلحاً بالرواية التوراتية ومحاولا إقناع الجمهور الإسرائيلي بوعودها ومفرداتها المضللة والمزيفة.
وفي سياق متصل آخر، يحاول نتنياهو القفز عن هذا الانقسام؛ من خلال تشتيت الإنتباه عما يحدث في غزة من هزائم لجيشه المنسحب، وذلك بتكرار التهديد القائم على الجبهة اللبنانية وجبهة باب المندب، وبالتلويح لضرورة التصدي لإيران ومنعها من امتلاك السلاح النووي.
ولعلّ الهزات الإرتدادية على ما جرى من مرافعات في محكمة العدل الدولية في لاهاي؛ وجدت صداها في تصريحات العديد من رجال القانون والمشرعّين وأعضاء الكنيست الإسرائيليين منتقدين أداء الوفد الإسرائيلي. ولقد تعدّى هذا الانقسام حدّ التراشق السياسي إلى الاتهامات المتبادلة بين مختلف القيادات سواء من المعارضة أو الحكومة؛ حتى أن عضو الكنيست جلعاد كريف ذهب إلى وصف بن غفير وسموتريتش ووزير التراث بأنهم «مجموعة هدم، ونتنياهو يتحمّل المسؤولية».
من نافل القول، أنّ هذا الانقسام في المواقف والإصطفافات يعود في أصله إلى جملة من الإجراءات التي اتخذها مجلس نتنياهو الحربي؛ والتي نتج عنها هزيمة ميدانية للقوات الصهيونية المتوغلة أظهرتها للعيان الأعداد المتزايدة للقتلى والجرحى والمعاقين جسدياً ونفسياً في صفوفها. وما تسبّب بتلك الهزيمة؛ هو الصمود الأسطوري لأهل القطاع وما تبعه من إفشال لدعوات ومخططات المتطرفين المتديّنين للتهجير القسري أو الطوعي من جهة، وتواصل ضربات المقاومة الصاروخية والإشتباكات البطولية من مسافة صفر وتدمير الآليات والسيطرة على الميدان من جهة أخرى.
ويمكن القول، إنّ التغيير في المشهد السياسي الغربي، وإتساع الإدانات العالمية التي شهدتها شوارع عواصم ومدن العالم لجرائم الإبادة الجماعية، وقتل آلاف الأطفال والنساء وكبار السنّ والتدمير الشامل لقطاع غزة وتحويله إلى مقبرة حماعية وجبال من الركام والأنقاض، وانعدام الأمن الغذائي والصحي؛ كلّ ذلك انعكس على تصدّع الجبهة الداخلية الإسرائيلية؛ فأوقع قادة الكيان في مأزق اللاعودة ولا السير قدماً نحو تحقيق أهداف حملتهم العسكرية، التي لا تزال بعيدة المنال بعد انقضاء حوالي ثلاثة أشهر ونصف الشهر.
وثمة عامل آخر يسهم في هذا التصدّع الداخلي؛ وهو استمرارنزوح سكان مستوطنات سواء في غلاف غزة أو في الشمال على الحدود مع لبنان. هذا ما دفع أكثر من 450 ألفاً للهجرة المعاكسة، والرقم مرشح أن يتضاعف مع استمرار الهجمات الصاروخية للمقاومة على تل أبيب والمدن المحيطة.
في هذا الصدد أكد نتنياهو، الذي ما زال مرتهناً لوزراء اليمين المتطرف، أنّ «عودتهم غير ممكنة حتى تحقيق النصر على حماس».
وعلى الصعيد الحكومي ومجلس الحرب الإسرائيلي، وفي ظلّ الانسداد الميداني لا تزال الخلافات والإتهامات بالتقصير على أشدّها. وكان أبرزها حول تشكيل لجنة تحقيق في الفشل العسكري والاستخباري لعملية 7 أكتوبر. وما مغادرة وزير الحرب غالانت لإجتماع مجلس الحرب بعد توتر مع نتنياهو؛ إلا برهان آخر على الخلافات القائمة. وعلى صعيد آخر، تعكس تصريحات رموز حزب معسكر الدولة الذي يرأسه غانتس، احتدام الخلاف داخل مجلس الحرب. إذ يدعو غادي آيزنكوت، وهو رئيس سابق للأركان، إلى إبرام صفقة والتفاوض مع حماس ومنتقداً نتنياهو ويطالبه بالخروج من هذه الحرب الفاشلة. كما يدعو متان كهانا عضو الكنيست إلى «التوجه إلى الصفقات ولو كان الثمن باهظاً».
وسجل خلاف آخر بين بن غفير وسموتريتش حول تخفيض هذا الأخير لميزانية الأمن، وقد وصف ذلك أنه «انعدام للمسؤولية». يأتي ذلك نتيجة انخفاض النمو الاقتصادي من 3% إلى 1.9%. وتعالت أصوات أخرى داخل الحكومة، وعلى خلاف ما يراه نتنياهو وحلفاؤه، حين مناقشة اليوم التالي للحرب.
ويعزز هذا الانقسام الداخلي ما تراه المعارضة وعلى لسان زعيمها لابيد من أنّ «هذه الحكومة لا تصلح لإدارة البلاد، ونتنياهو يجب عليه الاستقالة». بينما ليبرمان زعيم حزب بيتنا يطالب بإجراء انتخابات.
أما الإعلام العبري فيرى، أنّ هذه المناوشات والمشاحنات بل الاتهامات إنما تجري تحت عنوان واحد؛ وهو مواصلة الحرب حتى تحقيق أهدافها. كذلك هي مؤشرات على حالة التوتر والسجال الذي يسود اجتماعات مجلس الحرب؛ والتي لا تعكس انقساماً حالياً، ولكنها تبشر بحدوثه لاحقاً لا محالة.
وعلى الضفة الأخرى، لا بدّ من الإشارة هنا إلى أنّ التباين ما بين الموقف الأميركي والإسرائيلي في ما يتعلق بتكتيكات الحرب وأمدها إنما هو انعكاس للإنقسامات الداخلية الإسرائيلية. وسبق أن صرح بايدن أن «نتنياهو يريد إطالة أمد الحرب لمصالحه الشخصية».
السؤال هنا، إلى أيّ مدى سيستمر هذا الانقسام؟ وهل ستسعى الإدارة الأميركية إلى رأب الصدع وتضييق الفجوة بين الطبقة السياسية والعسكرية من ناحية، والطبقة المجتمعية من جهة أخرى؟ أم أنّ الشارع الإسرائيلي سيفرض قراره على حكومته التي أدارت الظهر لكلّ مطالبه…؟