اليمن أخطر من فيتنام وأفغانستان
ناصر قنديل
من غير المعلوم متى سوف يستفيق الأميركيون من كبوتهم الحمقاء في التورّط بحرب مع اليمن، ليدركوا أنهم علقوا في عش دبابير، وبعد أسبوع من بدء التورّط بالحرب كان يفترض أن يكون حاسماً على طريقة كل الحروب الأميركية، حدثت ثلاثة أشياء. الأول هو اعتراف أميركي بأن الكلام الذي تضمنته البيانات العسكرية الأولية عن تدمير ثلاثة أرباع القدرة العسكرية للجيش اليمني وأنصار الله كان متسرّعاً، وأن هذه القوة تبدو لا تزال قادرة على التحرّك بفاعلية. والثاني هو العودة إلى اللعبة المملّة والفارغة من المضمون وتسويقها بديلاً فعالاً على الفشل الحربي. والمتمثلة بتصنيف حركة أنصار الله منظمة إرهابية وإنزال العقوبات التي تحرم قادتها من استخدام حسابات مصرفية والحصول على تأشيرات دخول إلى الأراضي الأميركية، قابلها اليمنيّون بالسخرية التي تستحقها. والثالث هو تصعيد اليمن لضرباته الصاروخيّة للسفن المخالفة لتوجيهاته بمنع السفن الإسرائيلية وتلك المتجهة إلى موانئ كيان الاحتلال من عبور البحر الأحمر.
تتجمّع لليمن ميزات لم تتوافر لفيتنام وأفغانستان في المواجهة مع الحروب الأميركية، الأولى أن أميركا التي تقاتل اليمن هي أميركا الهرمة التي استنزفت طاقاتها في حروب فاشلة، والعاجزة عن خوض المزيد من الحروب وتحمل بذل الدماء فيها، وهي قبل سنتين ونصف قرّرت انسحاباً مهيناً من أفغانستان معترفة بلسان رئيسها بالفشل، بل بلا جدوى الرهان على النجاح. وأميركا مأزومة في علاقاتها الدولية، مع صعود قوى منافسة دولياً وإقليمياً، مثل روسيا والصين وإيران، وحليفها الوحيد هو أوروبا الأشدّ عجزاً وضعفاً منها، كما قالت حرب أوكرانيا. وبينما بدأت أميركا حربها مع كل من فيتنام وأفغانستان مع بداية حقبة، كانت تمثل في كل من الحالتين فرصة صعود للهيمنة الأميركية، تأتي الحرب مع اليمن وعليه في بداية حقبة عنوانها الأفول الأميركي، ويترجمها الإنكار الأميركي للحقائق الجديدة.
تخوض اليمن حربها الدفاعيّة بوجه الحرب الأميركية العدوانية بعد خبرة سنوات من حرب كانت أميركا تقف خلفها، وبينها وبين أميركا جولات حرب عديدة غير مباشرة، انتهت لصالح اليمن، كما حدث في ضربات أرامكو عام 2019، وهنا تكفي إعادة قراءة مقالة الكاتب الأميركي في النيويورك تايمز توماس فريدمان، حيث لا يرى الكاتب مبالغة في وصف بعض الاستراتيجيين الإسرائيليين العملية بأنها “بيرل هاربر” الشرق الأوسط، ولم يكن هذا العمل الجريء ليحدث بطريقة كهذه لأنه أدّى إلى حالة من الهلع في العواصم العربية و”إسرائيل” وأدّى إلى ارتفاع صوت تسمعه دائماً عندما تخطئ الطريق “إعادة حساب، إعادة حساب، إعادة حساب“. فكل “دولة” في الشرق الأوسط تقوم بإعادة النظر في استراتيجيتها الأمنية بدءاً من “إسرائيل”. والنتيجة من هذا الهجوم كما تقول صحيفة هآرتس الإسرائيلية: “يجب وقف العمليات في مفاعل ديمونة لأنه ليس بعيداً عن الخطر، والضرر الذي سيحدث منه يتفوّق على المنافع منه”، والقدرة الصاروخية وإتقان استخدام سلاح الطائرات المسيّرة، يسجل لليمن إدخالهما على مسرح حروب القرن الـ 21، قبل أن تظهر حرب أوكرانيا أنهما أخذا مكان الطائرة والدبابة في حروب القرن الـ 20، ولا مبالغة بالقول إن اليمن يبدو سيداً في لعبة الحرب عندما نتحدث عن هذين السلاحين.
يخوض اليمن حربه الدفاعيّة بشعب منظّم يحتشد بالملايين في الساحات والشوارع لتأييد قيادته في الثبات عند خيار المواجهة، واليمن يملك تاريخاً من المواجهات التي خرج منها عصياً على الكسر، وفشلت كل محاولات الغزو التي تعرّض لها باحتلاله واستعماره، فلا العثمانيون ولا البريطانيون ولا سواهم استطاعوا احتلال اليمن، والأهم أن اليمن يقاتل اليوم تحت عنوان نصرة مظلوميّة غزة بينما تقف أميركا مدافعاً عن جرائم كيان الاحتلال، فيلاقي اليمن موجات عارمة على مساحة العالم شعبياً تهتف لوقف الجرائم وإنهاء الحرب، لكنها لا تملك أداة التنفيذ، فيتقدم اليمن ليصير محطّ الآمال بالنجاح في تحقيق هذا الهدف الإنساني. أما عربياً فقد انقلب المشهد العربي من شيطنة اليمن والطعن بعروبته وصدقيته إلى الافتخار بما يفعل، وتقديمه أيقونة الشهامة والنخوة العربية، بينما يزداد الشعب اليمني التحاماً بقضيته. واليمنيون منذ سنوات طويلة يتميّزون عن كل العرب الآخرين بأنهم لم يتركوا الساحات بملايينهم، كلما كان العنوان فلسطين.
يخوض اليمن حربه الدفاعيّة وهم جزء مكوّن وقياديّ في محور إقليميّ قويّ وفاعل وكبير، هو محور المقاومة، الذي يتشارك معه معركة الدفاع عن غزة ومقاومتها ونصرة شعبها، والمحور الذي يضم المقاومة في فلسطين ولبنان والعراق إضافة لدولتين اقليميتين هما سورية وإيران، يفتخر بما يقوم به اليمن تحت شعار أن المحور لن يترك غزة، بدأ من بوابة العراق يقول إنه لن يترك اليمن، وواشنطن تعرف أن إيقاع عمليات المقاومة العراقية يتغيّر، على إيقاع المواجهة الأميركية مع اليمن، بل إن بعض الأميركيين ربط الرسائل الصاروخية الإيرانية العابرة لحدود دول جارة عديدة، في إطار الرد على التورط الأميركي بحرب مع اليمن، وكلّما تورط الأميركي أكثر ارتفع منسوب الردود أكثر.
المهم أن ينتبه الأميركيون إلى حقيقة أنهم في حال التورط بحرب شاملة مع اليمن، فإنهم سوف يكتبون عن حرب فيتنام وحرب أفغانستان بصفتها ذكريات مخفّفة عن الألم الذي ينتظرهم.