القوات الأجنبية في العراق بين الراغب والممتعض!
محمد حسن الساعدي
تزايدت الدعوات لسحب قوات التحالف الدولي من العراق وذلك بعد الغارة التي شنتها طائرة بدون طيار في الرابع من كانون الثاني الحالي، والتي أدت إلى وقوع ضحايا في عناصر أحد الفصائل المسلحة في الحشد الشعبي، ما أثار غضباً شعبيا وجماهيريا ورسميا حيث أعلنت حكومة السوداني أنها شكلت لجنة من الطرفين لإنهاء وجود القوات الدولية في العراق…
يمثل إبقاء القوات الدولية أمراً بالغ الأهمية للعراق، وترى واشنطن أنّ وجودها في العراق مهمّ لأنه يأتي في إطار تفعيل دور الولايات المتحدة في منطقة الشرق الأوسط، وسط الصراع الدائر في غزة والحرب الشعواء التي تمارسها تل أبيب ضدّ الفلسطينيين وتحديداً في غزة، وإنّ أيّ قرار يُتخذ من جانب واحد يمكن أن يقود العلاقة بين بغداد وواشنطن الى المجهول، حيث يشير البنتاغون إلى أنه ليس لديه خطط لسحب قواته من العراق في الوقت الراهن ولم يكن على علم بأيّ خطط من الحكومة العراقية تطلب منها القيام بذلك.
إنّ العلاقة بين الولايات المتحدة والعراق تتعرّض لضغوط متزايدة منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر من العام الماضي، وقد ضاعف العراق مطالباته لأميركا باحترام سيادة العراق ووقف هجماتها على معسكرات الحشد الشعبي، حيث دعا رئيس الجمهورية عبد اللطيف رشيد في التاسع من الشهر الحالي إلى ضرورة وضع برنامج محدد وقابل للتطبيق، وأن تلتزم به القوات الأميركية العاملة في العراق، وأنّ وجود التحالف الدولي ينبغي أن يقتصر على دعم القوات الأمنية وتقديم المشورة، بالإضافة إلى أنّ رئيس الوزراء محمد شياع السوداني كان واضحاً بدوره في موقفه الثابت بضرورة إنهاء وجود القوات التحالف الدولي بعد انتهاء مبرّرات وجوده، في المقابل فإنّ الولايات المتحدة لا تريد مغادرة العراق في هذا الوقت الحرج، وإذا فعلت ذلك فإنها ستفعل ذلك وفقاً لشروط وفي الوقت المناسب لها.
لا يزال أمام الحكومة العراقية الكثير من العمل، وبمصداقية، من أجل وضع مصالح البلاد في المقام الأول، وحماية العراق من أن يكون ساحة صراع للآخرين على أن تكون هناك مفاوضات شفافة مع التحالف الدولي وبحوار شامل يشمل جميع شركاء التحالف على أن يغطي مختلف القضايا الأمنية والاقتصادية والبيئة والاجتماعية والثقافية، وأنّ أيّ حوار أو أسلوب آخر مع المجتمع الدولي لن يكون له جدوى، بل سيكون محفوفاً بالمخاطر وقد يؤدي إلى نتائج عكسية خاسرة للجميع.
في المقابل على واشنطن أن تحترم وضع العراق الحالي وخصوصيته، وأن تعطي الحكومة المسافة اللازمة من أجل حلّ الإشكالات والخلافات، وأنّ أيّ ضغط تمارسه القوى الغربية لن تكون له نتائج إيجابية، بل على العكس سوف تكون نتائجه مُضرّة بمصالح الجانبين، خصوصاً مع عودة بعض جيوب العصابات الداعشية ومع عدم الاستقرار في المنطقة الناجم عن الحرب في غزة، حيث يشير عدد من التقارير الاستخبارية العراقية إلى أنّ الآلاف من مقاتلي داعش يخرجون إلى العلن تحت حماية القوات الأميركية في منطقتين في غرب العراق، ووفقاً لهذه التقارير فإنّ تنظيم داعش أثناء ذروة قوته يتألف من 35 ألف داعشي في العراق قتل 25 ألفاً منهم في حين اختفى أكثر من عشرة آلاف.
وتؤكد المصادر أنّ واشنطن تلعب دوراً حيوياً في تمكين عبور المجموعات التابعة لداعش عبر الحدود، وقد يعطي انشغال المجتمع الدولي بالحرب على غزة، والحرب بين روسيا وأوكرانيا، الفرصة لعصابات داعش لإعادة تنظيم صفوفها مع الاستمرار في تلقي الدعم اللوجستي الداخلي والخارجي.
على الرغم من النجاحات المتعددة التي تقوم بها الحكومة العراقية وتحديداً في مجال الإعمار والاستثمار وتحقيق أهمّ هدفين (الموازنة لثلاث سنوات وانتخابات مجالس المحافظات) إلا أنّ المشوار لا يزال صعباً أمام حكومة السوداني، وأنّ هناك ملفات مهمة لم تفتح بعد، أهمّها ملف الفساد الخطير وإعادة الأموال المنهوبة إلى خزينة الدولة، بالإضافة إلى تعزيز الاقتصاد العراقي وإعادة بناء القطاع الخاص وحصر السلاح بيد الدولة وتنظيم العلاقة بين بغداد وواشنطن بما يحقق التعاون المشترك بين البلدين دون المساس بسيادة الدولة أو أن يكون العراق منطلقاً لتهديد جيرانه، وأن تعمد الحكومة إلى حلّ الخلافات بين الحكومة الاتحادية وإقليم كردستان وبصوره سريعة وشفافة وبما يحقق الاستقلالية في القرار السياسي والسيادي ككلّ…