متى ستجبر حكومة نتنياهو على وقف عدوانها على قطاع غزة؟
حسن حردان
بعد دخول العدوان الصهيوني على قطاع غزة، شهره الرابع، بات السؤال الأساسي، متى تضطر، او تجبر حكومة العدو برئاسة بنيامين نتنياهو على وقف عدوانها؟
في هذا الإطار قيل ويُقال، انّ الجهة الوحيدة القادرة على إلزام نتنياهو على اتخاذ قرار من هذا النوع، هي الإدارة الأميركية، غير انّ إدارة الرئيس جو بايدن الشريكة في شنّ العدوان ترفض ممارسة ايّ ضغط لوقف إطلاق النار، وتقدم على معارضة كلّ مشاريع القرارات في مجلس الأمن الدولي، الداعية لوقف النار، تحت ذريعة انّ ذلك يصبّ في مصلحة حركة حماس، ولهذا فإنّ الدعم الأميركي بالشراكة والدعم العسكري والاقتصادي والسياسيي الدبلوماسي يمكن نتنياهو من مواصلة الحرب وتجاهل الضغوط الدولية وإدارة الظهر لها…
ولكن هل يعني ذلك انه لا توجد عوامل أخرى تجبر نتنياهو على وقف حرب الإبادة الجماعية التي يشنها جيشه في قطاع غزة؟
بناء على قراءة واقع وطبيعة كيان الاحتلال، وحساسية «مجتمع المستوطنين» تجاه تعرّضه لخسائر في الأرواح، فإنّ العامل الأساسي الذي سيؤثر في الكيان ويضغط عليه ويؤدّي إلى انقلاب في موقف الرأي العام لديه، وفي داخل جيش الاحتلال، لصالح ممارسة الضغط على نتنياهو لوقف الحرب، إنما يكمن في ارتفاع أعداد القتلى والجرحى من الضباط والجنود الاسرائيليين، وهو ما يحصل على نحو غير مسبوق في تاريخ حروب الكيان الصهيوني.. إلى جانب صعوبة، او عدم وجود أفق في قدرته على تحقيق النصر في هذه الحرب..
في هذا السياق، كشفت المصادر الإسرائيلية بأنّ خسائر الجيش الإسرائيلي تجاوزت حتى الآن ألفي قتيل وأكثر من عشرين ألف جريح.
لذلك فإنّ هذا العدد من القتلى والجرحى كبير جداً في مدة قصيرة، إذا ما أخذنا بالاعتبار أمرين:
الأمر الأول، عدد الدبابات والمدرّعات والآليات التي دمّرت أو أعطبت، والتي تجاوزت الـ 1000، وعرضت كتائب القسام وسرايا القدس مشاهد لتدمير العديد منها.. بناء عليه هناك تقديرات لدى المحللين والخبراء العسكريين، بأنّ أعداد القتلى والجرحى أعلى بكثير مما يُقال، وانّ الاعترافات الإسرائيلية التي تسرّب إنما هي جزء بسيط من الخسائر، حتى لا تحصل ردود فعل داخلية تنعكس انخفاضاً في تأييد استمرار الحرب في الجبهة الإسرائيلية الداخلية، لكن مع ذلك فإنّ ما سرّب من أرقام أدّى إلى ارتفاع في أعداد المشاركين في التظاهرات الأسبوعية من آلاف إلى عشرات الآلاف الذين باتوا يطالبون، إلى جانب الإطلاق الفوري للأسرى، بوقف الحرب لعدم جدواها، واستقالة حكومة بنيامين نتنياهو.. وهو أمر يحصل للمرة الأولى أثناء الحرب.
الأمر الثاني، انّ اعداد القتلى والجرحى الذين سقطوا ويسقطون كلّ يوم كبير جداً بالقياس إلى العديد الفعلي لجيش الاحتلال…
أحد المسؤولي الاسرائيليين عن مقبرة دفن الموتى في هيرتزيليا قال منذ فترة، إنه يتمّ يومياً دفن خمسين جنديا..
هذه الخسائر في صفوف الجنود، إلى جانب الخطر المتزايد الذي بات يهدّد حياة الأسرى، بعد فقدان الأمل بإمكانية الإفراج عنهم بالقوة، وفشل جيش الاحتلال في تحقيق أهدافه، وقيامه بقتل بعض الأسرى عبر القصف، او بإطلاق النار على ثلاثة منهم، رغم انهم كانوا يطلبون منه بالعبرية مساعدته لإنقاذهم.. هذه الخسائر، وفقدان الأمل بتحقيق النصر بالقضاء على المقاومة، واستعادة الأسرى، أدّت إلى احداث شروخ وانقسامات على المستويات السياسية والعسكرية تجسدت بالآتي:
1 ـ اندلاع صراع داخل حكومة الحرب، بين فريق نتنياهو المؤيد لاستمرار الحرب ورفض وقفها مقابل عقد صفقة لتبادل الأسرى، وبين فريق يمثله عضوا حكومة الحرب، بني غانتس وغادي ايزنكوت، الذي يدعو إلى القبول بمثل هذه الصفقة.. فيما الصراع بين وزير الحرب يوآف غالانت ونتنياهو تفاقم إلى درجة أقدم فيها غالانت على التهديد بإحضار لواء غولاني لفرض الأمن في مجلس الحرب ومنع نتنياهو من هيمنته عليه…!
2 ـ ظهور حالة التمرّد والإحباط والتململ داخل الجيش، وهو ما تجلى بالظواهر التالية:
ـ تمرد نصف كتيبة من جنود الاحتياط على القتال في غزة.. «كي لا يموت المزيد من الجنود».
ـ هروب مئات الجنود من الخدمة..
ـ تصريحات أربعة من كبار القادة العسكريين في جيش الاحتلال، يشاركون في القتال، إلى صحيفة نيويورك تايمز، التي نقلت عنهم قولهم: «إنّ التفكيك الكامل لحماس يتطلب معارك طويلة وهذا، اذا تمّ تحقيقه، سيكلف على الأرجح حياة المختطفين الاسرائيليين المحتجزين في قطاع غزة».. وأشاروا أيضاً الى التوترات في حكومة الحرب في ظلّ المقابلة مع الوزير غادي ايزنكوت، وانّ الفرق العسكرية تشعر بالإحباط بسبب تردّد القيادة.
ـ تزايد أعباء النازحين المستوطنين من جنوب وشمال فلسطين المحتلة، بسبب استمرار المقاومة في قصف مستوطنات غلاف غزة، وحرب الاستنزاف المؤثرة والمكلفة للكيان التي تشنّها المقاومة في لبنان ضد قواته ومستوطناته في الشمال.. حيث تشير التقديرات إلى أنّ أعداد هؤلاء النازحين وصلت الى 200 ألف مستوطن، وهم يرفضون العودة إلى المستوطنات اذا لم يتحقق الأمن والاستقرار لهم.. مما يؤدي أيضا إلى تعطل الإنتاج الزراعي والصناعي في هذه المناطق.
ـ اثر الحرب على الاقتصاد كبير جداً، حيث تشير التوقعات بأن تكلفت الحرب ستبلغ 55 مليار دولار، وهذا يعني تكلفة عالية جداً، هذه التكاليف المباشرة، وهناك أيضاً تكاليف غير مباشر نتيجة توقف حركة التجارة والسياحة، مما يشكل عبئاً كبيراً على الاقتصاد والمجتمع، ويهدّد «الأمن القومي الاسرائيلي»، و»المجتمع الإسرائيلي» لا يستطيع تحمّل كلفة اقتصادية من هذا النوع.. خصوصاً أنّ 120 ألف عامل وعاملة سرحوا من عملهم، والتأمين الوطني مكلف لهم، فيما كلفة تجنيد الاحتياط تبلغ 1,5 دولار، أما ميزانية الدفاع فقد ارتفعت من 19 إلى 23 مليار.. وهو دفع مدير البنك المركزي الإسرائيلي إلى مطالبة الحكومة بالتقشف.
هذه التداعيات من جراء الحرب وارتفاع الخسائر في صفوف الجيش وتزايد القلق على حياة من تبقى من أسرى باتت تزداد تأثيراً مع كلّ يوم تستمرّ فيه الحرب مما يجعل الضغط على نتنياهو وحلفائه، أصحاب المصلحة بعدم وقف الحرب، في ازدياد متواصل بما يقود الى حصول انقلاب واسع في ميزان القوى داخل الكيان، في الجيش والشارع يضغط لوقف الحرب..
ومن المؤكد انّ حصول هذا الانقلاب مرهون باستمرار المقاومة في استنزاف جيش الاحتلال وإحباط أهدافه، وهو ما برهنت عليه قدرات المقاومة على الاستمرار في خوض حرب طويلة النفس.. والتي لم تضعف، رغم دخول الحرب شهرها الرابع.. واستمرارها في تكبيد جيش الاحتلال خسائر جسيمة، ما جعله يزداد غرقاً في وحل غزة.. ومع كلّ يوم يستمرّ في هذا الغرق ولا يسعى الى الخروج منه فإنه يدفع المزيد الخسائر الفادحة وتضعف عزيمته ويتوسع الشرخ داخله، نتيجة قوة المقاومة الضارية وتكتيكاتها الناجحة في شنّ حرب المدن وحرب العصابات ضدّ جيش الاحتلال، من نصب الكمائن لجنوده وقنصهم، وقصف مواقع تمركزهم في المباني بقذائف خارقة للتحصينات واصطياد الدبابات والمدرعات بقذائف الياسين 105 وقذائف الباندوم…