العدوان الأميركي البريطاني على اليمن: الأبعاد والتداعيات
د. جمال زهران
أحسنت الدولة المصرية مرتين، في خياراتها السياسية والاستراتيجية، في الإقليم العربي والشرق أوسطي، الذي يتسم بالسخونة والقلق وعدم الاستقرار. الأولى: عندما رفضت الاشتراك في العدوان السعودي الإماراتي على اليمن في مارس/ آذار 2015م، تحت مسمّى: «عاصفة الحزم»! والثانية: عندما رفضت الطلب الأميركي بالاشتراك في التحالف الأميركي/ البريطاني، ضد اليمن وناصرتها في ذلك الموقف دول عديدة من أهمها: السعودية والإمارات!
والمؤكد أن رفض مصر لأن تكون طرفاً في عدوان على اليمن، على وجه الخصوص، نابع من رؤية استراتيجية أساسها أن اليمن الدولة وشعبها، لها مكانة ذات أهمية استراتيجية (سياسياً – اقتصادياً – أمنياً)، للدولة المصرية، حتى أصبحت من الثوابت أو محددات السياسة الخارجية المصرية، في الإقليم، تلتزم بها مصر وأجهزتها ومؤسساتها، وقيادتها. وتحرص الدولة المصرية على عدم فقدان اليمن في خريطة الحركة المصرية الاستراتيجية، منذ أن ساندت الدولة المصرية ثورة اليمن بقيادة عبد الله السلال في سبتمبر 1962م، وكان من نتاج ذلك تحرر اليمن من الملكية، والاستقلال والتحرر من سيطرة دول إقليمية عليها، وتحرير الجنوب اليمني من الاستعمار البريطاني. وقد ظلت مصر/ عبد الناصر، داعمة للثورة اليمنية خلال الفترة من 1962 – 1967م، بشكل مباشر، ودور فعّال، ثم انتقلت إلى الشكل غير المباشر، بالدعم في حماية الثورة لتحقيق النهضة اليمنية الشاملة، وهو ما تحقق بالفعل.
وقد أثمرت هذه العلاقات الاستراتيجية بين مصر واليمن، عن موقف تاريخي لليمن في حرب أكتوبر 1973م، بأن بادرت وبالتنسيق إلى غلق باب المندب أمام السفن الصهيونية ومن يدعمها، وهو الموقف الذي اتخذته مرة ثانية، دعماً للشعب الفلسطيني الذي يتعرّض للإبادة الجماعية (Genocide) من قبل قوات الاحتلال للعدو الصهيوني، في غزة. حيث لم تقبل اليمن، دولة وشعباً تعريض هذا الشعب العربي في فلسطين لإبادة ممنهجة وتسكت على ذلك، وهي أصل العروبة.
وحيث أغلقت اليمن باب المندب، في وجه السفن الصهيونية، والسفن الداعمة لها في عدوانها على غزة، الأمر الذي لم يعجب أميركا، الدولة الراعية والداعمة، ومعها دول أوروبا، في مقدمتها بريطانيا، صاحبة وعد بلفور 1917م، الذي أعطى لليهود الصهاينة ما لا يستحقون، حرماناً لمن يستحقون وهم الفلسطينيون، وتظلّ العبارة الشهيرة بشأن وعد بلفور: «أعطى من لا يملك (بريطانيا)، لمن لا يستحق (الكيان الصهيوني اليهودي)، هي المستقرة في سرديات القضية الفلسطينية، رغم الشرعية الزائفة بقرار النكبة الأولى رقم (181) في نوفمبر 1948م، الصادر من الأمم المتحدة بتقسيم فلسطين!
وكان من نتاج ذلك الموقف اليمني، أن بادرت أميركا لتكوين تحالف أميركي/ دولي شكلاً ضد اليمن، والذي لم توافق على الانضمام إليه من الإقليم سوى دولة البحرين! وكانت الضربة الأولى (أميركية/ بريطانية)، وبرغم أن دولاً أخرى بلغ عددها (10) دول، شاركت في هذه الضربة، إلا أن عدداً منها كذب ذلك، ولا تزال مسارات الطائرات التي اعتدت على اليمن، موضع تساؤلات؟!
والمؤكد أن هذا العدوان الأميركي/ البريطاني، وقد استهدف محاولة تأديب اليمن، لردعه عن الاستمرار في غلق باب المندب، واستهداف السفن الصهيونية، أو الداعمة للكيان الصهيوني، بالمنع أو إيقافها بالقوة إن لم ترضخ لتعليمات السلطات اليمنية التي تمتلك الحق الكامل والشرعي، في غلق المضيق أمام من تشاء، ولأسباب واضحة. كما استهدف العدوان، دعم الكيان الصهيوني في عدوانه على غزة، وإبادة الشعب الفلسطيني، وفي الوقت نفسه ردع المقاومة الفلسطينية، وتهديدها الخفي لقبول عروض التصالح وإيقاف إطلاق النار وفقاً للشروط الأميركية/ الصهيونية، والتي تتضمن مقايضات بتبادل الأسرى!
كما حمل العدوان الأميركي تهديدات خفية للمقاومة في لبنان (حزب الله)، وفي جبهة الجولان، وفي العراق، وذلك عبر التلويح بإمكانية استخدام أميركا وحلفائها، القوة، في حسم الأمور، وبشكل مباشر.
إلا أن رغم ما يحمله العدوان من رسائل سياسية وعسكرية لأطراف المقاومة، خاصة الطرف الرئيسي وهو إيران، إلا أن أبعاده، وتداعياته، أكبر من مجرد التهديدات والردع والرسائل، حيث يمكن أن تتطور الأمور إلى خلق حالة حرب إقليمية واسعة، باستنفار قوة الأطراف المقاومة، وتوسيع الحرب على كافة الساحات الممكنة، وهي بطبيعة الحال ساخنة، وتتصاعد تدريجياً في ضوء «التصعيد التدريجي المحسوب».
وختاماً، أرى أن هذا العدوان الأميركي/ البريطاني، الذي بدأ صباح الجمعة (12) يناير، بغارات مكثفة وصلت إلى (72) غارة، ولا يزال متواصلاً من الطرف الأميركي، قد يسهم في تأجيج الصراع، والدفع بالإقليم ليكون أرضاً للحرب العالمية الأولى في القرن الحادي والعشرين، والتي بدأت في سورية، ثم أوكرانيا، ثم في غزة، وأخيراً اليمن، خاصة بعد الرفض الروسي/ الصيني، شديد اللهجة في مجلس الأمن في جلسة الجمعة (12) يناير. فهل من عقل رشيد، يدرك أن المشروع الصهيوني الاستعماري قد فشل، ودخل مربع الانهيار، بإعادة الحسابات مرة أخرى؟! هذا سؤال مهمّ للقادة العرب لعلهم يدركون تداعيات ما يحدث، لإعادة ترتيب وهيكلة سياساتهم!